يحذر خبراء الاقتصاد الدولي من أن العالم يقف على أعتاب أزمة ديون تاريخية، مع ارتفاع المديونية العامة إلى مستويات غير مسبوقة تتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2029، وفق تقديرات
صندوق النقد الدولي.
ففي حين كانت الديون عبئًا يثقل كاهل الدول النامية في السابق، أصبحت اليوم معضلة عالمية شاملة تشمل الاقتصادات الكبرى، من
الولايات المتحدة واليابان إلى
فرنسا وبريطانيا والصين. ومع ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف الاقتراض، تتآكل قدرة الحكومات على تمويل أولوياتها الأساسية في مجالات الدفاع والرعاية الاجتماعية والبنى التحتية.
رئيس إدارة الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، فيتور غاسبار، حذّر من "اضطرابات مالية محتملة" قد تُطلق العنان لما سماه بـ"حلقة الموت المالية" الشبيهة بأزمة الديون السيادية الأوروبية عام 2010، مشددًا على أن الإصلاحات المالية أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
ويشير الصندوق إلى أن بعض الدول الغنية، مثل الولايات المتحدة، تجاوزت بالفعل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي سجلت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث من المتوقع أن تصل إلى 140% بحلول نهاية العقد، فيما لا تزال الحكومات تضخ إنفاقًا هائلًا لمواجهة الشيخوخة السكانية والضغوط الجيوسياسية والمناخية.
ويرى خبراء مثل جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، أن "ارتفاع الدين العام يُشكل قنبلة موقوتة قد تفجّر الاقتصاد العالمي في أي لحظة". ويوضح أن "الولايات المتحدة وحدها رفعت دينها من 23 إلى أكثر من 38 تريليون دولار بعد جائحة
كورونا"، مؤكدًا أن الحكومات باتت تنفق على خدمة الديون أكثر مما تنفق على التنمية.
ويحذر تقرير لمجلة الإيكونوميست من أن "المالية العامة في العالم الغني في حالة خراب"، مشيرًا إلى
أن فرنسا واليابان وبريطانيا وأميركا تواجه عجزًا مزمنًا يصعب تمويله دون اللجوء إلى التضخم أو رفع الضرائب. ويرى التقرير أن بعض الساسة قد يعتمدون التضخم كوسيلة غير معلنة لتقليص الديون، كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية.
أما الخبير الاقتصادي محمد سعيد، فيؤكد أن الحلول تكمن في إصلاحات هيكلية جذرية تشمل ضبط الإنفاق وزيادة الشفافية وإعادة هيكلة الديون، إضافة إلى ابتكار أدوات جديدة مثل مقايضة الديون بمشاريع تنموية أو بيئية. لكنه يحذر من أن غياب التنسيق الدولي قد يؤدي إلى أزمة مالية نظامية تهدد الاستقرار العالمي بأكمله.
وهكذا، يقف الاقتصاد العالمي أمام معادلة صعبة: كيف يمكن للدول أن تحمي حقوق الدائنين دون خنق قدرتها على النمو؟ الإجابة لم تتضح بعد، لكن المؤكد أن الديون اليوم لم تعد مجرد أرقام مالية، بل خطر وجودي يهدد مستقبل الاقتصاد الدولي.