أعلن
البنك المركزي الإيراني رسميًا سحب ترخيص بنك "آينده" وبدء نقل ودائعه والتزاماته البالغة 250 ألف مليار تومان (نحو 5.95 مليار دولار) إلى البنك الوطني "ملي". وتكشف البيانات الرسمية أن ديون "آينده" للمركزي بلغت 500 ألف مليار تومان (نحو 11.9 مليار دولار)، فيما هوت نسبة كفاية رأس ماله إلى مستويات سالبة خطرة وصلت،بحسب تصريح، إلى ناقص 600%، بينما تُظهر بيانات لاحقة ناقص 350%، بما يعني فعليًا الإفلاس الكامل. وأوضح
نائب رئيس قسم الرقابة في المركزي، فرشاد محمد بور، أن اختلالات "آينده" كانت "غير قابلة للإصلاح" وشوّهت صورة النظام المصرفي بأكمله.
الأزمة لا تقف عند "آينده". فبحسب أرقام البنك المركزي، من أصل 29 بنكًا عاملًا في
إيران، هناك 18 بنكًا تقل نسبة كفاية رأس ماله عن الحد الأدنى المطلوب (8%)، فيما تسجّل ثمانية بنوك نسبًا سلبية خطرة، بينها: "سبه" (-23.2%)، "إيران زمين"(-21%)، "دي"(-53.5%)، "سرمايه"(-328%)، "آينده"(-360.52%). ويحذّر محللون من أن انهيار بنك كبير كـ"سبه" الذي تُقدَّر قاعدة عملائه بأكثر من 42 مليون شخص قد يفضي إلى أزمة مالية واسعة، مع تراجع القدرة على الوفاء بالالتزامات وتهديد مدخرات شريحة كبيرة من الإيرانيين.
وترتبط الأزمة ببنية الاقتصاد تحت
العقوبات. فمنذ تصعيد البرامج النووية والعسكرية، واجهت إيران موجات متتالية من القيود، وبلغت ذروتها مع تفعيل "آلية الزناد" في 18 تشرين الاول الجاري. هذا التضييق جمد الأصول الخارجية وقيّد الوصول إلى التمويل والأسواق، ودفع البنوك إلى التمويل عبر طباعة النقود والاقتراض المكثف من المركزي، ما فاقم التضخم واختلال الموازنات وقلّص ثقة الجمهور بالنظام المصرفي.
وفي المقابل، لا تتجاوز نسبة كفاية رأس المال 8% سوى 10 بنوك صغيرة ومحدودة النشاط—مثل "الإيراني
الفنزويلي" و"خاورميانه" و"تنمية الصادرات"، وهي مصارف تلعب دورًا هامشيًا في المنظومة. أما البنوك الكبرى ذات
القاعدة الواسعة، الحكومية كـ"سبه" و"الوطني"، والخاصة كـ"تجارت" و"صادرات"، فتعمل دون المعايير المطلوبة، وبعضها بسالبٍ عميق، ما يعني أن الهيكل الأساس للقطاع يعاني تآكلًا داخليًا ويستمر عمليًا بفضل تدخلات مكلفة من البنك المركزي.
تداعيات هذه الاختلالات ليست مالية فحسب، بل اجتماعية وسياسية أيضًا. فمع ضعف صندوق ضمان الودائع وعجز الموازنة، تحذّر تقديرات من عجز الحكومة عن احتواء إفلاس واسع، بما يفتح الباب أمام تسارع هروب الرساميل وارتفاع حاد في سعر الصرف وتفاقم التضخم. وعلى الرغم من وضوح المؤشرات، تواصل السلطات التعتيم: لا شفافية كافية في الإفصاحات المالية ولا آليات منظمة لإدارة أخطار البنوك. وفي واقعٍ بهذا الهشاشة، قد يُطلق أي قرار مفاجئ—على غرار حل «آينده»—موجة جديدة من الذعر وانعدام الثقة بين المودعين. (اندبندنت)