اجتاحت
سوريا واحدة من أشد موجات الجفاف منذ نحو 40 عاماً، تاركة حقولاً متشققة ومحاصيل منهارة ومزارعين يطاردون قطرة الماء كما لو كانت مورداً نادراً في صحراء تتسع كل يوم. ومع تراجع الأمطار وانخفاض المخزون الجوفي وجفاف أنهار وبحيرات رئيسية، لم يعد الجفاف حدثاً عابراً، بل واقعاً مناخياً ثابتاً يضغط على ما تبقى من قطاع زراعي أنهكته الحرب.
نورس بركة، مزارع من عربين، يلخّص المأساة: "لم نرَ المطر إلا مرّة أو اثنتين… القمح خسرناه تقريباً". ترتفع كلفة
الري إلى مستويات غير محتملة، وتختفي الزراعة البعلية من مناطق واسعة، بينما تتراجع إنتاجية الأراضي المروية مع انحسار الينابيع وجفاف نهر العاصي وبحيرة زرزر وتراجع الآبار التي استُنزفت عشوائياً.
وزارة الزراعة السورية تقدّر الخسائر في القمح بنحو 40% هذا الموسم، ما خفّض الإنتاج إلى 1.2 مليون طن مقابل حاجة سنوية تقارب 4 ملايين. الأمر لم يقتصر على الكمية؛ الحرارة المرتفعة وسرعة الإزهار أنتجت حبوباً ضعيفة، بينما تراجعت زراعة القطن بسبب نقص مياه الري وارتفاع كلفة تشغيل المضخات.
وترى الوزارة أن التغيّر المناخي واستنزاف المياه الجوفية هما العاملان الحاسمان في تفاقم الأزمة. ومع ذلك، تتحدث عن تعاون مع "فاو" لتأهيل شبكات الري السطحية، وإطلاق مشاريع لدعم المزارعين، والعمل على أصناف زراعية مقاومة للجفاف، إضافة إلى إدخال الزراعة الحافظة وبرامج تدريب لرفع كفاءة استخدام المياه.
الأزمة تجاوزت حدود المواسم الزراعية. وفق
الأمم المتحدة، يواجه 16 مليون شخص تهديداً متزايداً لانعدام الأمن الغذائي، فيما تضرر 2.5 مليون هكتار من أراضي القمح، وتعرّض 95% من القمح البعلي لضرر شبه كامل. ويتوقع أن ينخفض إنتاج القمح المروي بنسبة 30% إلى 40%، ما يترك فجوة قد تصل إلى 2.7 مليون طن في بلد يعاني أصلاً من شح الموارد وارتفاع الأسعار.
في بلد كان يُعرف يوماً بـ"سلّة قمح المنطقة"، يتحوّل الجفاف اليوم إلى خصمٍ مباشر للغذاء والاقتصاد، وجرس إنذار طويل المدى يفرض خيارات زراعية جديدة وإدارة مائية أكثر صرامة قبل أن تتسع
الفجوة إلى حدّ يصعب تجاوزه.