ليس اغنى من الطبيعة ولذلك بالإمكان اكتشاف الجديد دائما. هذا ما يؤكده كتاب "الدليل الحقلي للأزهار البرية في حمى الفاكهة وجوارها"، للرسام والكاتب حسين زرقط. ليس هذا وحسب، فالدراسات في هذا الكتاب تبرهن ان الرعي المنظم يمكن ان يتحول الى عامل ايجابي في حماية التنوع البيولوجي بدليل اكتشاف 1650 نوعا من الازهار والنباتات في منطقة البحث التي كان يعتبرها البعض صحراوية وقاحلة! وهو ما يؤكد الفلسفة البيئية الحفاظية التي طالما دافعت عن الرعيان والحطابين الحقيقيين الذين كانوا يعتبرون أصدقاء الطبيعة ولهم مصلحة في استدامتها أكثر بكثير من بيئيي هذه الأيام.
ترى الفلسفة البيئية الحفاظية ان مشاريع ما يسمى «المحميات» التي عمت العالم ولبنان، كانت مسيئة لفلسفة البيئة الحقيقية، ولمفهوم البيئة وحمايتها، كونها تعتبر الانسان عدوا للطبيعة ويجب إبعاده عنها لحمايتها. مع العلم ان الانسان هو جزء من الطبيعة والتحدي البيئي الذي يفترض مواجهته، هو ان يبقى فيها ويحافظ عليها. والمقصود بالانسان هنا، هو الانسان الذي كان لا يزال يعيش من الطبيعة بشكل مباشر كالحطاب والمعاز وجامع الأعشاب (النباتات الغذائية والعطرية والطبية) والنحّال والمحب للتنزه... مع استبعاد الصيادين المدججين بالسلاح الحربي بالطبع. فهؤلاء، كان يفترض ان يتم دعمهم للبقاء في الغابات والاحراج وحماية عملهم لا سيما الحطاب بالفأس والراعي المسؤول. فالذي ساهم في ابادة الكثير من الغابات ليس الحطاب بالفأس، بل مافيات الحطب التي كانت تستخدم المنشار الآلي لتقطع بسرعة وتبيع بسرعة وتربح بسرعة، على حساب الحطابين والفحامين الصغار وعلى حساب استدامة الغابة.
وبالرغم من كل الضجيج الذي رافق مشاريع الحماية والحملات الاعلامية التي كان يشنها بعض المهندسين الزارعيين والادارات الرسمية ضد الرعي والقطع والتي لم تكن مدروسة بتاتا، فقد اظهرت الدراسات ان تلك المناطق التي كانت تعتبر «متصحرة»، أي تلك التي ضربها التصحر بسبب القطع والرعي، ليست كذلك. وهذا ما اثبتته الكثير من الدراسات وبينها الدراسة التي بين ايدينا التي كشفت عن وجود الكثير من الانواع التي لا تزال موجودة في المناطق النائية. وبالرغم من عدم وجود دراسات سابقة للمقارنة، يمكن ان نخرج بنتيجة شبه بديهية، تقول ان الرعي والقطع اقل ضررا بالتنوع البيولوجي من العمران الحضاري، بما فيه من شق طرقات مع ارصفة او من دونها وبستنة حديثة وتشييد الابنية مع جور صحية او من دونها. فماذا في هذه الدراسة - الكتاب؟
يسلط كتاب "الدليل الحقلي للأزهار البرية في حمى الفاكهة وجوارها" الذي أصدرته جمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL (بدعم من صندوق شراكة الأنظمة البيئية الهامة CEPF في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط)، الضوء على التنوع البيولوجي الفريد لجرد حمى الفاكهة في البقاع حيث الطبيعة شبه الصحراوية القاحلة.
يتميز الكتاب الذي صدر باللغة الانكليزية، على ان يصدر لاحقاً باللغتين العربية والفرنسية، كما يقول مدير عام الجمعية اسعد سرحال، بأنه مزيج من رسوم بالغة الدقة والجمال ونص متين يستند الى المراجع العلمية، وهو نتاج مئات الساعات من التجول في الطبيعة قام بها زرقط في منطقة الفاكهة وجوارها.
البلدية تحمي
وكانت بلدية الفاكهة ـ الجديدة قد أعلنت في ايار 2013 عن قرارها بتحويل جزء كبير من النطاق العقاري للبلدة الى منطقة "حمى" بالتعاون مع جمعية SPNL . ويهدف إعلان "حمى الفاكهة"، وهو الثامن من نوعه في لبنان، الى تنظيم الاستخدامات المستدامة والمحافظة على مواردها الطبيعية. وتضم الحمى منطقة عقارية ممتدة على مساحة 5904 هكتارات، وتشمل الفاكهة والجديدة والمعلقة والزيتون.
يقول زرقط ان الكتاب يستهدف محبي الطبيعة الذين يتسابقون الى التقاط صور النباتات البرية والفطريات الموجودة طبيعياً في لبنان، لكنهم غالباً لا يعرفون اسماءها، وهذا الدليل قد تم وسم اجزائه بحسب لون الأزهار وهو ما يساعد على التعرف عليها بطريقة سريعة وسهلة. كما تم ايراد اسم كل زهرة، سواء كان الاسم العلمي او الأسماء المحلية المتداولة في المنطقة.
الجرود كمناطق مهمة
يغطي الدليل ما يقرب من 1650 نوعا من النباتات تضم 104 أسر وأكثر من 580 جنساً. وعلى الرغم من أن التركيز كان بشكل أساسي على الزهور البرية التي تم توثيقها في حمى الفاكهة، فهو يغطي السراخس والشجيرات والأشجار والأعشاب ونباتات السعادى والفطريات. ويضم أكثر من 300 نوع مستوطن، و أكثر من 500 نوع من النباتات الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن 360 نوعاً من النباتات الطبية والصالحة للأكل.
ويقول زرقط انه اعتمد على دراسة استقصائية للنباتات باستخدام نهج QUADRAT. ولقد لاحظ اختلافات في تكوين النباتات بين وادي نهر العاصي وجبال السلسلة الشرقية وسهل البقاع. ولقد عثر على عدد كبير من الأنواع المستوطنة في جبال السلسلة الشرقية، وبناء عليه اقترح اعلان هذه الجرود منطقة مهمة للنبات والحد من الرعي التقليدي والحفاظ على التنوع البيولوجي الهش.
ويسهم الوضع الجغرافي لمنطقة الفاكهة وتضاريسها، وبالتالي مناخها، في ثرائها النباتي، على غرار مخلب الذئب، وحشيشة الذهب، والقيعون او الكتانيا، والخرنوب والصنوبر والبطم العلكي والنبق، والبلان والقصعين والزوباع والزوفة واللهب والبطم والقطلب والحوز.
وتشتمل طبيعة حمى الفاكهة على نسبة كبيرة من النباتات المتعددة الأقاليم التي لديها نطاق جغرافي واسع جداً. وهي في أكثريتها نباتات إطلالية ويجوج، أو تلك التي توجد على ضفاف الأنهر ومجاري المياه. من ناحية أخرى، يوجد في القمم المرتفعة نباتات قبسية مهمة ايضاً.
(السفير – حبيب معلوف)