Advertisement

خاص

عن أطفال "التيوب": أيها الأهل.. إليكم المخاطر والحلول

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
31-03-2019 | 08:55
A-
A+
Doc-P-571815-636896378874596426.jpg
Doc-P-571815-636896378874596426.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

المشاهد التالية باتت مألوفة جداً. بالأحرى، أضحت كأنها القاعدة، لا الشواذ. ولعلّ الخطورة الكبرى تكمن في أنّ ثمة من يتباهى بها، أو في أفضل الأحوال، عاجز عن تغييرها! في المشهديات الصادمة على أنواعها، مثلاً: صغيرٌ لا يتعدى عمره سنتين، يجلس متسمراً على كنبة، من دون أي حركة أو كلام، رقبته في إنحناءة متواصلة، وفي يده هاتف خلويّ. لساعة وربما أكثر، يجلس الصغير في الوضعية نفسها. من دون أن يتحرك أو يتكلّم. إنه يشاهد شيئاً ما على "يوتيوب". يبدو هادئاً. الأهدأ في هذه اللحظة، أهله.

في مثال آخر، طفلةٌ ترفض تناول الطعام. هي أيضاً صغيرة عمرياً. بالكاد سنة ونصف. بعد جهد غير جهيد، تضعها والدتها على كرسيّها وتحضر "الأيباد" وتضعه أمامها وتشغّل شيئاً ما. على "يوتيوب" أو غيره، لا يهمّ. المهمّ أن الطفلة باتت تحدق في الشاشة وتفتح فمها مبتلعة ما يوضع على لسانها، على عجل. مثالٌ آخر والأمثلة كثيرة: رضيعٌ في كرسيّه مربوطاً بإحكام. يبدأ بالبكاء لا جوعاً ولا نعساً ولا من أجل الاستحمام. يبكي، فينقله والده ويضعه أمام التلفاز مشغلاً شيئاً ما. أحياناً تكون رسوم متحركة وأحياناً أخرى يتابعان مجريات المسلسل.

هذه عيّنة من الأمثلة التي تحاكي واقعاً صادماً يعيشه أطفال هذا العصر، وطبعاً في لبنان حيث بات على الزوجين العمل من أجل تأمين لقمة العيش. أطفالٌ باتوا يولدون والهواتف الخلوية في أياديهم، يجيدون استخدامها قبل أن يحبوا. أطفالٌ يستهلكون الميديا وأجهزة التواصل على مدار الساعة. يأكلون برفقتها، وينامون على صوتها ويصحون في منتصف الليل يصرخون "تيوب، تيوب" (يوتيوب)! فهل يعي الأهل خطورة هذا الأمر؟! وكيف عليهم أن يتصرفوا بغية حماية أطفالهم من المخاطر المحدقة بهم في زمن بات يتنفس التكنولوجيا؟!

على الأرجح، يعرف معظم الأهالي أنّ جلوس أطفالهم أمام الشاشات الصغيرة ليس بالأمر الجيّد. تطوف المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام التقليدية على أنواعها بدراسات وأخبار وتحذيرات تتعلق بهذا الموضوع. ومع هذا، يُلاحظ أن الأمر يزداد سوءاً. فما هي هذه المخاطر؟!

في حديث لـ "لبنان24"، يشرح الطبيب والمعالج النفسي د. مرام الحكيم أنّ "الميديا هي عملية غسل أدمغة، فهي تقدّم معلومات وفق أسلوب معيّن، وتزرع أفكاراً محددة وقيماً مختلفة منها السياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية…".

وبهذا، تختلف الميديا عن أغلبية الألعاب الإلكترونية والتي بالمناسبة، لا تدفع مستخدمها حتماً إلى ارتكاب جرائم بحسب ما يُشاع! يقول الحكيم في هذا الصدد:"من الخطأ الافتراض إن لعبة إلكترونية دفعت مستخدمها إلى العنف أو الإرهاب! في الحقيقة، ثمة ملايين الأشخاص الذين يلعبون اللعبة نفسها مثلاً، فهل جميعهم يرتكبون جرائم؟! بالطبع لا! الموضوع يتعلق بإصابة الفرد بمرض نفسي يكون الدافع والسبب، علماً أنه قد يستخدم تقنية اللعبة التي يلعبها. هي تعطيه أفكاراً ربما، ولكنها ليست السبب الأساس"!

لكن، يعقّب الحكيم، "قد يكون للألعاب الإلكترونية تأثيرٌ على الأطفال اليافعين جداً، أي الذين لم تتكوّن شخصياتهم بعد، ونعم، فهي قد تدفعهم إلى استعمال العنف، أو قد تخيفهم وترعبهم وهذا ما يُترجم بتغييرات في سلوك الطفل ونومه وأكله…"

وبالعودة إلى الميديا، يلفت الحكيم أنّ مخاطرها موجودة بصرف عن النظر عن الوسيلة (سواء كان جهاز التلفزيون أو الهاتف الخلوي أو الأيباد)، لكن الأجهزة الخلوية تبقى قيد التناول ويمكن حملها في أي وقت ومكان، هذا عدا عن أنّ "الواي فاي" مضرّ بالدماغ بحسب عدد من الدراسات.

 

ويشرح الطبيب والمعالج النفسي أن الاتكال على الميديا كوسيلة لتلقي المعلومات تدفع الدماغ إلى التفكير بطريقة مختلفة فهي تضع الفرد في موضع المتلقي السلبي الذي لا يتفاعل، وبالتالي تجعله شخصاً يكتفي بتلقي الآراء من دون أن يحاول مناقشتها أو إبداء الرأي الآخر فيها. ومن أبرز مخاطر الميديا وتأثيراتها على الطفل أنها تحول دون قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ أحياناً وبين الخيال والواقع، بالإضافة إلى الحؤول دون قيامه بالأنشطة الجسدية التي تحسّن عمل الدماغ وتفيد الذاكرة، واندماجه في محيطه الاجتماعي وتفاعله الضروري معه.

لكن هل يمكن فعلاً منع الأطفال في هذا العصر من مشاهدة التلفزيون واستخدام الهواتف والانترنت؟! وهل من مسموح ولو بحدود معيّنة؟!

علمياً، لا يُحبذ أن يشاهد الرضع والأطفال حتى عمر سنتين أو ثلاث التلفزيون أو أن يستخدموا الهواتف الذكية. هذا الأمر مرفوض إجمالاً بالنسبة إلى العلم، فالأبحاث والدراسات بيّنت تأثيرات مختلفة على دماغ الطفل ونموّه في حال التعرّض للميديا. بحسب  الحكيم، على الطفل أن ينمو بشكل سليم ويعيش حياة صحيّة من خلال أنشطة تفاعلية مع والديه. يقول:"الدماغ البشري مصمم طبيعياً من آلاف السنين ويحتاج إلى أن يتطوّر وينمو من خلال الأنشطة البديهية والأساسية، لا من خلال التعرّض للميديا. على الطفل أن يأكل، أن يرضع، أن يضع الأشياء في فمه، أن يحبو،أن يزحف،  أن يضحك، أن يقلّد الآخرين، أن يلعب، أن تتمّ دغدغته وتحفيزه للقيام بحركات تنمي جسده وعقله. هكذا هو النموّ السليم، ومن واجبنا ألا نلهي دماغه بأمور أخرى ضارّة!".

لكن هل يمكن أن ينجح الأهل في إبعاد الأطفال كليّاً عن مصادر الخطر هذه؟ أليس هذا تعجيزاً؟!

يدرك الحكيم أن العصر رقميّ والميديا في كلّ مكان، والأهم أنّ الأهالي بحاجة إلى ما يمكن أن يلهي الأطفال لوقت قصير ريثما ينجزوا عملاً أو واجباً. بالنسبة إليه، تشغيل الموسيقى، على ألا تكون صاخبة، لا ضير منه. عظيم! ماذا عن تشغيل أغنيات الأطفال على اليوتيوب حيث تظهر رسوم متحركة وشخصيات كرتونية، لوقت قصير جداً؟!

إن كان لا بدّ من تعريض الطفل للشاشة، ولوقت قصير جداً، فإن الحكيم ينصح بعدم وضع الرسوم المتحركة: "موسيقى مع مشاهد لمناظر من الطبيعة أو تقارير واقعية عن الطبيعة والحيوانات، أو برنامج تفاعلي أبطاله أشخاص...مستحبّ! أما غير المستحبّ في هذا العمر الصغير هي الرسوم المتحركة!"!

قد يبدو ما يقوله الطبيب والمعالج النفسي صادماً، لكنها الحقيقة. الرسوم المتحركة ليست إلا خيالا، ولا يجدر بالأطفال في هذا العمر أن يشاهدوا إلا أشياء حقيقية! عليهم أن يتأسسوا على واقع لا على خيال، فلا يُحبذ أن يرى الطفل الصغير قطة تتكلم وترقص أو كلباً يكتب أو إنساناً يطير! علينا أن نحمي أطفالنا من الكرتون التجاري، يقول د. الحكيم.

لاحقاً، عندما يصبح الطفل في عمر ثلاث سنوات وأكثر، فإنه يصبح قادراً على التمييز بين الحقيقة والخيال، لكن مجدداً، لا ينصح الطبيب والمعالج النفسي بترك الأولاد على سجيّتهم أمام الميديا. ويعتبر أنّ مراقبة المضمون الذي يشاهده الطفل لا يكفي، بل المطلوب أيضاً تحديد الوقت:"كلّما نجحنا في تقليص الساعات التي يقضيها الطفل حاملاً الهاتف الخلوي أو جالساً أمام التلفاز،كلّما تمكنا من درء مخاطر جمّة، لا تقتصر على نمو الدماغ وحسب، بل تتعداها إلى مشاكل في النظر وفي تكوين الشخصية وفي منظومة القيّم ككلّ.

لكن، لا يكفي أيضاً إبعاد الشاشات عن الأطفال، بل يجب القيام بأنشطة مهمة لتطوّر الدماغ والجسم، وأهمها التفاعل مع البشر الذي لا تعوّضه شاشة لا رائحة لها ولا يمكن تحسس مضمونها!

 

إذاً، إن كانت القاعدة الذهبية تقضي بعدم تعريض الأطفال إلى الميديا قدر الإمكان (على ألا يكونوا أميين تكنولوجياً أيضاً)، فإن مخالفتها ليست من دون عواقب.

بحسب الحكيم، فإن تأثيرات الميديا على الأطفال تتمثل بضرب مجموعة القيم التي يكتسبونها، وهذا ما يُترجم بسلوك ملحوظ لدى البعض ممن لا يتحلّون بأي مسؤولية، وبالكاد يعرفون الصواب من الخطأ. الأخطر، هو إمكانية إصابة الأطفال بالإدمان، وهو وفق التفسير العلمي، مرض نفسي ينبغي علاجه. يقول د. الحكيم:"الإدمان هو إدمان سواء كان إدماناً على المخدرات أم على الشوكولا أو على الكحول أم على الميديا. العوارض متشابهة والنتائج السلبية ذاتها".

إذاً، أبعدوا أطفالكم عن هواتفكم وعن الشاشات لضمان نموهم جسدياً ونفسياً بشكل سليم وصحيح!

Advertisement
المصدر: لبنان 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك