كارثة الرحلة 804 المصرية

كارثة جوية جديدة وقعت في الساعات الأولى من يوم أمس فوق مياه البحر المتوسط. الطائرة المنكوبة من طراز «ايرباص» تابعة للخطوط الجوية المصرية «مصر للطيران» (ايجيبت اير) رقم الرحلة «ام اس 804» كانت متجهة من مطار شارل ديغول في العاصمة الفرنسية باريس، الى مطار القاهرة الدولي، وعلى متنها 66 راكباً بينهم طاقمها المكون من 10 أشخاص. وتوالت التكهنات طوال أمس عن سبب سقوط الطائرة الفجائي وتحطمها. ورجح كل طرف الاحتمال الأنسب له، فالسلطات المصرية رجحت فرضية «الاعتداء الإرهابي» على «الخطأ التقني»، فيما درس التقنيون الأوروبيون ومنهم فرنسيون، احتمال أن الطائرة ربما أصابها خلل ما على الرغم من ضآلة الاحتمال كونها حديثة نسبياً، عمرها 13 عاماً، ووضعت في الخدمة عام 2003. لكن هذه الترجيحات والفرضيات لم تغير شيئاً في وقع الفاجعة التي أصابت أهالي الركاب وأقاربهم. فالمشاهد التي نقلت أمس من مطار القاهرة على شاشات التلفزة كانت مأسوية. كيف لا وقد كان أهالي وأصدقاء الركاب بانتظار وصول الطائرة التي تحطمت قبل 20 دقيقة فقط من موعد هبوطها. واصطحب رجال الأمن وأخصائيون نفسيون في مطار القاهرة أسر الركاب الى قاعة خاصة لم يسمح للصحافيين بالدخول اليها. ثم ما لبث الصحافيون أن تجمهروا حول الأهالي بمجرد خروجهم من تلك القاعة. وصاحت سيدة كانت تبكي في أحد المصورين «شقيقي مات وأنت كل ما يهمك هو أن تقوم بتصويري». وقال رجل رفض الافصاح عن هويته لـ»فرانس برس«، «لدي اربعة اقارب على متن الطائرة«. في هذه الاثناء، تواصلت عمليات البحث قبالة سواحل اليونان، وسط تضارب في المعلومات حول نتائج هذه العمليات. وفيما وكانت «مصر للطيران« أعلنت العثور على حطام يرجح ان يكون للطائرة، قال مدير الهيئة اليونانية للسلامة الجوية اثناسيوس بينوس في وقت لاحق ان الحطام الذي عثر عليه ليس له علاقة بالطائرة. واضاف اثناسيوس بينوس «حتى الآن، يؤكد تحليل الحطام انه ليس من الطائرة، كما ان نظيري المصري اكد لي أيضا ان الحطام ليس من رحلة مصر للطيران وذلك في آخر اتصال معه الساعة 17:45 ت غ». وقال المسؤول اليوناني ايضا «استنادا الى المعطيات الجغرافية المتوافرة نتكلم عن الحطام نفسه، وحتى الآن لا علم لنا بالعثور على اي حطام آخر» قد تكون شركة مصر للطيران استندت اليه في اعلانها. الا انه اكد ان معلومات قد تظهر بين لحظة واخرى. واضاف «ما تم العثور عليه هو قطعة خشبية وقطع قماش لا تخص اي طائرة». وبعد المعلومات المتضاربة بشأن نتائج عمليات البحث، اصدرت الرئاسة المصرية بياناً يؤكد ضمنياً انه لم يتم بعد على العثور على حطام الطائرة. وبحسب البيان، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «اصدر توجيهات بقيام جميع أجهزة الدولة المعنية بما فيها وزارة الطيران المدني ومركز البحث والإنقاذ التابع للقوات المسلحة والقوات البحرية والجوية بتكثيف عمليات البحث عن الطائرة المصرية واتخاذ كافة التدابير اللازمة للتوصل إلى حطام الطائرة وانتشالها بالتعاون والتنسيق مع الدول الصديقة«. كما اصدر السيسي توجيهات «ببدء عمل لجنة التحقيق التي تم تشكيلها من جانب وزارة الطيران بشكل فوري للوقوف على ملابسات حادث اختفاء الطائرة المصرية والتعرف على أسبابه»، وفق البيان. وكانت السلطات المصرية أكدت في وقت سابق أمس العثور على حطام الطائرة التي سقطت قبالة السواحل اليونانية. وقالت شركة «مصر للطيران« في بيان نشرته على حسابها الرسمي على «تويتر« باللغة الانكليزية ان «وزارة الطيران المدني تلقت من وزارة الخارجية المصرية برقية تؤكد العثور على حطام الطائرة المفقودة». ونعت «مصر للطيران» ضحايا الطائرة، وقالت في بيان على موقع تويتر «تنعى مصر للطيران أسر ضحايا الطائرة، وتعرب عن بالغ أسفها لهذا الحادث الأليم، وتؤكد الشركة أنها ستقوم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتعامل مع الموقف من كل جوانبه وفتح تحقيق شامل لمعرفة ملابسات الحادث». وكان الناطق باسم الجيش اليوناني فاسيليس بيلتسيوتيس، اكد لوكالة «فرانس برس« ان «طائرة سي 130 مصرية عثرت خلال حملات التفتيش التي استغرقت ساعات بين شواطئ اليونان ومصر، على حطام الطائرة المنكوبة في جنوب شرق جزيرة كريت في منطقة تابعة للمجال الجوي المصري. في غضون ذلك، ومع اصراره على الحذر الشديد وتأكيده اكثر من مرة عدم رغبته في استبعاد اي فرضية لتفسير سقوط الطائرة، قال وزير الطيران المصري شريف فتحي ان احتمال العمل الإرهابي قد يكون الارجح. وردا على سؤال لـ»فرانس برس« حول ما اذا كان يرجح فرضية العمل الإرهابي، قال فتحي متحدثاً بالانكليزية «لا اريد ان اقفز الى نتائج (ولكن) اذا اردنا تحليل الموقف، فإن هذه الفرضية (العمل الإرهابي) قد تبدو الاحتمال الارجح او الاحتمال المرجح»، مشيرا في الوقت نفسه الى ان الموقف الرسمي للدولة المصرية يظل عدم استبعاد وعدم تأكيد اي فرضية. وكانت رحلة «مصر للطيران» «ام ـ اس804« تقوم برحلة بين مطاري شارل ديغول في باريس والقاهرة عندما اختفت عن شاشات الرادار في الساعة 2:45 بتوقيت القاهرة (00:45 توقيت غرينتش) اثناء تواجدها في المجال الجوي المصري، كما قال نائب رئيس الشركة المصرية. ولم يستبعد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كذلك فرضية العمل الإرهابي. وقال في كلمة متلفزة «المعلومات التي جمعناها تؤكد لنا ان هذه الطائرة تحطمت وفقدت». واضاف «علينا التأكد من معرفة كل ملابسات ما حصل. لا يمكن استبعاد او ترجيح اي فرضية». وتابع «حين نعرف الحقيقة، علينا استخلاص كل العبر سواء كان الامر حادثا او فرضية اخرى تخطر على بال كل شخص، وهي فرضية عمل إرهابي». وفي واشنطن، قال الناطق باسم البيت الابيض جوش ارنست انه «من المبكر جداً التكهن بسبب هذه الكارثة». مسؤولون من أجهزة أميركية عدة قالوا لـ»رويترز» إن مراجعة أميركية لصور التقطتها أقمار صناعية، لم تظهر حتى الآن أي مؤشرات عن حدوث أي انفجار على متن الطائرة. وأضاف المسؤولون الذين تحدثوا عن أمور خاصة بالاستخبارات مشترطين عدم الكشف عن أسمائهم، إن هذه النتيجة جاءت عقب فحص أولي للصور، وحذروا من تقارير لوسائل إعلام تلمح إلى أن الولايات المتحدة تعتقد أن تحطم الطائرة حدث بسبب قنبلة، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة لم تستبعد أي أسباب محتملة للحادث بما في ذلك الخلل الفني أو الإرهاب أو إجراء متعمد من جانب الطيار أو الطاقم. ورجح خبراء فرضية تعرض الطائرة لاعتداء. وقال الخبير في الملاحة الجوية جيرالد فلدزر ان «السبب في ذلك يرجع الى المناخ السياسي»، مستبعدا في الوقت نفسه «مشكلة تقنية كبيرة لان الطائرة حديثة نسبيا». وأعلن وزير الدولة الفرنسي لشؤون النقل آلان فيداليس أن ثلاثة محققين فرنسيين ومستشارا تقنيا من «إيرباص» توجهون إلى القاهرة للمشاركة في التحقيقات حول فقدان طائرة. قائد الطائرة لم يشر الى اي مشكلة قبل اختفائها، وذكرت شركة الطيران المصرية ان الطائرة تنقل 56 راكبا بينهم طفل ورضيعان بالاضافة الى طاقم من سبعة افراد وثلاثة عناصر امن. واضافت ان الركاب هم 30 مصريا و15 فرنسيا وبريطاني وكندي وبلجيكي وبرتغالي وجزائري وسوداني وتشادي وعراقيان وسعودي وكويتي. واكد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت وجود 15 راكبا فرنسيا على متن الرحلة. وعلمت «المستقبل» ان البريطاني الذي كان على متن الطائرة من اصل مصري، وهو عالم جيولوجي عمره 40 عاماً، ويدعي ريتشارد عثمان. كما كان على متن الطائرة عسكري فرنسي من اصل تشادي، كان متجها الى بلده الاصلي لحضور مراسم جنازة والدته التي توفيت اول من امس. وتساءل مراقبون عما اذا كان هذا الشاب الفرنسي ـ التشادي مر بحالة نفسية صعبة قد تكون دفعته لارتكاب حماقة الانتحار الجماعي على متن الطائرة. وقالت السلطات اليونانية ان الطائرة اختفت عن شاشات الرادار اليونانية عند قرابة الساعة 00:29 ت غ اثناء خروجها من المجال الجوي اليوناني ودخولها المجال الجوي المصري. وبحسب قسطنطين لتزيراكوس مدير الطيران المدني اليوناني كان اخر اتصال مع قائد الطائرة «بعيد الساعة 00:05 تغ»، وبعدها لم يجب الاخير على اتصالات المراقبين الجويين اليونانيين التي استمرت «حتى الساعة 00:29 ت غ عندما اختفت الطائرة عن شاشات الرادار». ولم يشر طاقم الطائرة الى «اي مشكلة» خلال اخر اتصال اجراه معه المراقبون الجويون اليونانيون بل كان «مزاجه جيدا وشكر محدثيه باللغة اليونانية». كما اكد الجيش المصري ان طاقم الطائرة لم يرسل اي اشارة استغاثة. وتأتي هذه الكارثة الجوية الجديدة بعد نحو 6 اشهر من انفجار طائرة روسية فوق سيناء في 31 تشرين الاول الماضي بعيد اقلاعها من شرم الشيخ ما اودى بحياة 244 شخصا كانوا على متنها. واعلن الفرع المصري لتنظيم «داعش» حينها مسؤوليته عن اسقاط تلك الطائرة. كما اضطرت شركة «مصر للطيران» اخيرا الى ادارة ازمة اختطاف احدى طائراتها الى قبرص في 29 آذار الماضي، من قبل شخص وصف بأنه «مضطرب نفسياً« اطلق سراح الركاب الـ55 وكذلك افراد طاقم الطائرة من دون ان يلحق بهم اذى. وفي حال تبين ان العمل إرهابي، ستشخص الانظار مجددا الى الوضع الامني في فرنسا كون الطائرة اقلعت من مطار شارل ديغول، ولا شك ان حادثة الامس وضعت الحكومة الفرنسية تحت ضغوط شديدة، خصوصاً أن فرنسا تستضيف الشهر المقبل حدثا كرويا عالمياً هو بطولة الامم الاوروبية لكرة القدم، ولهذا يجب ان تتأكد السلطات ان جميع مرافق البلاد وملاعبها مؤمنة بدرجة 100 في المئة كي لا يحصل ما لا يحمد عقباه.