قبل يومين من جلسة نيابية جديدة مخصّصة افتراضيًا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبدو الصورة "ثابتة" بمعزل عن "السيناريو" الذي ستشهده الجلسة، سواء لجهة تأمين النصاب كما في الجلسة الأولى، أو "تطييره" كما في الجلسة الثانية، فلا رئيس سيُنتخَب في هذه الجلسة، ولا في الجلسات التي ستليها قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول الجاري، على أن يبدأ النقاش "الجدّي" فقط بعد ذلك، وفق كلّ التقديرات.
لا يغيّر من هذا الواقع ما يمكن وصفه بـ"تخمة المبادرات" التي طفت على السطح في الأيام الأخيرة، والتي بدأت بـ"مبادرة الإنقاذ الرئاسية" التي أطلقها نواب ما يُعرَف بقوى "التغيير" مطلع شهر أيلول الماضي، وتنقّلوا بها بين مختلف القوى السياسية، من دون أن تترجَم جهودهم على أرض البرلمان، حيث يبدو أنّهم لا يزالون يغرّدون وحيدين في "سربهم الخاص"، ولو ألمحوا في الأيام الأخيرة لإمكانية خلق تكتّل "وسطي" جديد.
وفيما حكي عن مبادرة أخرى لكتلة "الاعتدال الوطني"، وتمسّكت قوى سياسية عدّة بخيار "التوافق" كمعبر "إلزامي" لإنجاز الاستحقاق، انضمّ "التيار الوطني الحر" إلى أصحاب "المبادرات"، مع إطلاقه ما سُمّيت بـ"ورقة الأولويات الرئاسية" التي جالت بها وفود تكتل "لبنان القوي" على بعض القوى السياسية، فيما "أحجمت" أخرى عن منحها مواعيد، كما فعلت "القوات اللبنانية" مثلاً وفق التسريبات والمعلومات المتداولة.
"عموميات" لا تنتج رئيسًا!
صحيح أنّ "المبادرة" كمصطلح، تعبّر في المبدأ عن أمر إيجابي، باعتبار أنّها تعني إقدام فريق ما على خطوة رياديّة ما، لخرق جمودٍ ما، أو تقريب وجهات النظر، لكنّها في السياق اللبناني تحديدًا، والرئاسي خصوصًا، أفرغت من مضمونها وفق ما يقول كثيرون، بحيث أضحت العبارة مجرّد "شمّاعة" للبعض، من دون أن تحمل بين طيّاتها ما يمكن البناء عليه فعلاً، أو ما يمكن أن يحفّز مختلف الأطراف على تغيير "مقارباتها" الرئاسية.
ولعلّ نقطة الضعف "المشتركة" لمختلف "المبادرات" التي أطلِقت رئاسيًا، أقلّه حتى الآن، أنّها "حصرت" نفسها في "العموميات"، فلجأت إلى اللغة العربية الفضفاضة لتُكثِر من "النثر"، واستفاضت في الحديث عن "مواصفات مطلوبة" في الرئيس العتيد، وعن "برامج انتخابية" ينبغي على من يصل إلى سُدّة الرئاسة تنفيذها، بمعزل عمّا إذا كانت "قابلة للتطبيق" في ظلّ الصلاحيات الممنوحة له أصلاً، من دون الغوص فعليًا في الأسماء.
قد يكون مثل هذا النقاش في المواصفات والبرامج مطلوبًا ومشروعًا، بل محبّذًا، لكنّ المشكلة أنّه لا يمكن أن يُفتَح على مصراعيه، في ربع الساعة الأخير، خصوصًا أنّه ما عاد يفصل عن "الفراغ الرئاسي" الذي يتعامل معه الجميع على أنّه محتّم سوى 15 يومًا، ما يعني أنّ على "المبادرين" إن كانوا جديين، وكانت نواياهم "صافية"، أن ينتقلوا عمليًا إلى "التطبيق"، بدل الاكتفاء بـ"الشعارات" التي لا تغني ولا تسمن من جوع.