مع انطلاق شهر "الأعياد"، مع كلّ ما يحمله من رمزيّة ومعاني، ولكن أيضًا هموم، بالنظر إلى "الهدايا" التي يفترض أن ترافقه، في ظلّ أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، ينتقل اهتمام اللبنانيين مرّة أخرى من السياسة "الجامدة"، على وقع غياب أيّ "بشائر" لتوافق محتمل "يحرّر" الاستحقاق الرئاسي المعلَّق حتى إشعار آخر، إلى كيفية رسم "البهجة" على وجوه أطفالهم، رغم كلّ الظروف الصعبة، وربما المأسوية.
هكذا، يتفاوت الاهتمام في هذا الشهر، بين مونديال قطر الذي لا يزال يتصدّر المشهد، ويتوقع أن تزداد عوامل "التشويق" فيه مع العبور إلى الدور الثاني في غضون أيام، وبانتظار أن تسدل صافرة نهايته، لتكشف عن هوية بطل العالم، بعيد منتصف الشهر، وبين "الأعياد" التي سيواجه اللبنانيون معها واقعهم "الأليم" مرّة أخرى، في ظلّ ارتفاع الأسعار، التي يُخشى أن تشهد زيادات مضافة مع بدء تطبيق الدولار الجمركي.
أما السياسيون، ولا سيما بينهم أولئك الذين يتحمّلون مسؤولية تفاقم الأزمات، بتعطيلهم كلّ الاستحقاقات، من تأليف الحكومة سابقًا، إلى انتخاب الرئيس اليوم، رغم كونها "مفتاح الحلول" المفترض الذي من شأنه "إطلاق يد" المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، فلا يبدو أنّ شهر "الأعياد" سيغيّر شيئًا في واقعهم، ولو أنّ أقصى أمنيات البعض باتت أن يدخلوا في "هدنة"، بالحدّ الأدنى عن "مسرحيّات" باتت تضرّ أكثر ممّا تنفع!
لا "عيدية" ولا من يحزنون
يحلو للبعض مع كلّ عيد، أن يسألوا عمّا إذا كان السياسيون سيقدّمون "عيدية" للبنانيين، وقد يكون السؤال أكثر من مشروع اليوم، طالما أنّ الأعياد تأتي مرّة أخرى، فيما يعيش لبنان أجواء فراغ رئاسيّ ليس الأول من نوعه، لكنه ربما الأخطر بالنظر إلى الظروف "الصعبة" التي ترافقه على كلّ المستويات، ومع انقسام نيابي يترجم شللاً في جلسات انتخاب الرئيس التي لا تزال تعقد بوتيرة أسبوعية.
لكنّ الإجابة قد لا تكون صعبة ولو أنّ الشهر لا يزال في بدايته، إذ لا "عيدية ولا من يحزنون"، فلا مؤشرات على الإطلاق على انفراج محتمل في المدى المنظور، ليس فقط لأنّ القوى السياسية منقسمة على نفسها، وأنّ الحلفاء المفترضين لم يتفقوا بعد على خيارات انتخابية موحّدة، ولا هم على وشك الاتفاق، ولكن قبل ذلك لأنّ الرهان على الخارج، عاد ليطغى على المشهد بصورة أو بأخرى.
ولعلّ ما يُحكى في الكواليس عن احتمال توقف جلسات انتخاب الرئيس خلال هذا الشهر بعدما أضحت في مضمونها أقرب إلى "المسرحية الاستعراضية"، يندرج في إطار التأكيد على استحالة تحقيق أيّ "خرق"، خصوصًا أنّ الجلسات المكرّرة باتت "نسخة طبق الأصل" عن بعضها البعض، حتى أنّ السجالات "الشعبوية" التي تقع على هامشها باتت مضرّة لأصحابها، حتى لو "صفت النوايا" الكامنة خلفها، إن جاز التعبير.
"الهدنة المطلوبة"
يزداد الأمر تعقيدًا، مع الحديث عن "إجازة" واقعة لمعظم المسؤولين، الذين "استسلموا" لواقع أن لا انتخابات رئاسية ستجري هذا الشهر، بل إنّ هناك من يقول إنّ الملف الرئاسي قد لا يتحرّك قبل شهر نيسان المقبل، ربطًا ببعض الاستحقاقات المنتظرة في الأشهر القليلة المقبلة، وربطًا بالحراك الدولي الذي قد يكون لبنان حاضرًا على خطّه، خصوصًا بين الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية، وربما دولة قطر أيضًا.
ومع هذه الإجازة، ثمّة من يتحدّث عن "هدنة رئاسية" مطلوبة على أكثر من خط، بما يمكن أن يتيح تمهيد الطريق أمام "التسوية" التي يعوّل عليها كثيرون، ويعتقدون أنّ لا حلّ من دونها، وذلك باعتبار أنّ استمرار الأجواء "الصدامية" كما هي اليوم، وكما تتجسّد في جلسات انتخاب الرئيس الأسبوعية، وما تتمخّض عنه من انقسام "عمودي" بين الكتل النيابية، لا يسهّل أمر التوافق بأيّ شكل من الأشكال.
من هنا، فإنّ "الهدنة المطلوبة" وفق ما يقول العارفون، قد تكون "خطوة أولى" في مسار التوافق "الحتميّ"، وهي تقتضي بدرجة أولى تخفيض الأسقف التي وصلت إلى ذروتها في الفترة الأخيرة، كما تقتضي فتح باب "الوساطات" عن طريق إحياء فكرة "الحوار" التي يقف خلفها رئيس البرلمان نبيه بري، والذي يُقال إنّه "سيعيد" استمزاج الآراء بشأنها، لعلّها تبصر النور مطلع العام، علمًا أنّ المحسوبين على "الأستاذ" يؤكدون أنه لم يطفئ محركاته.
قد لا يكون استبعاد حصول أيّ "خرق" خلال هذا الشهر، من باب "التكهّنات"، أو حتى "التوقعات" التي ينشط العرّافون على خطّها في الأيام الأخيرة من العام، بل "واقعي" إلى حدّ بعيد، "واقعية" يتمنى اللبنانيون أن يتقيّد المسؤولون بها، حتى تمرّ مرحلة الأعياد بالتي هي أحسن، بعيدًا عن الالتهاء بالمزيد من "الحروب" التي من شأنها أن تتبدّد أي آمال بتحرير الرئاسة، ولو مطلع العام المقبل!