بينما كان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل يلتقي الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري ووفدًا من "حزب الله" برئاسة النائب محمد رعد كان الجنوب يلتهب بين ردّ وآخر متبادلين بين "المقاومة الإسلامية" وإسرائيل، التي وسّعت بيكار اعتداءاتها لتطال العمق الجنوبي ردّا على عملية استهداف موقع "ميرون".
بوريل حمل رسالة من الاتحاد الأوروبي تعرب عن بالغ قلقه من تدهور الوضع في الجنوب على صدى الحرب الدائرة في غزة وما يتعرّض له أهل القطاع من حرب إبادة وتهجير. ولكن ما سمعه الموفد الأوروبي من وفد "الحزب" زاد من مخاوفه وهواجسه، خصوصًا أن موقف "حارة حريك" واضح ولا لبس فيه، وهذا ما أكده السيد حسن نصرالله في طلتيه الأخيرتين، وهو يلخّص المشهدية الراهنة في الجنوب. وخلاصة الموقف أن "حزب الله" لن يوقف عملياته على طول الخطّ الأزرق من الناقورة إلى سفوح جبل الشيخ ما دام قطاع غزة يتعرّض لحرب إبادة بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ. وأن الكلمة هي الآن للميدان ما دامت تل أبيب ماضية في تنفيذ مخطّط تهديم القطاع وتشريد وتهجير أهله. وإذا كان الأوروبيون خائفين من أي تطور دراماتيكي في الجنوب فما عليهم سوى الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة، وأن "الحزب" بكل ما يملك من إمكانات عسكرية لن يألو جهدًا في سبيل الدفاع عن كل لبنان في حال قررت تل أبيب جرّه إلى حرب واسعة أيًّا يكن حجم التضحيات البشرية والاقتصادية والحياتية.
أمّا موقف الرئيس ميقاتي فكان خلال استقباله بوريل واضحًا، حيث قال له: "أننا طلاب سلام لا دعاة حرب ونتطلع الى تحقيق الاستقرار ونقوم بالاتصالات اللازمة في هذا الصدد، لأن أي تفجير واسع النطاق في جنوب لبنان سيقود المنطقة الى تفجير شامل". وشدد على "التزام لبنان تطبيق القرار الدولي الرقم 1701، وعلى أن التطبيق الكامل لهذا القرار يستوجب أولاً وقف الانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها".
وقال بوريل من وزارة الخارجية عقب لقائه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب "يمكن تجنّب الحرب ويجب أن نتجنّبها"، لافتاً إلى أنه يمكن للديبلوماسية أن تسود من أجل العثور على حلّ". وشدد على أن "من الضروري تجنّب التصعيد في الشرق الأوسط وتجنّب جرّ لبنان إلى الحرب، فهذا آخر ما يحتاجه". وأضاف "لبنان في خطّ المواجهة في الصراع الحالي ولبنان الذي يتمتع باستقرار قادر على الحفاظ على مصالحه واستقلاله والمساهمة بالتالي في الاستقرار الإقليمي"، مشيراً الى ضرورة تنفيذ القرار 1701". وشدد على أن "الأولوية هي تجنب التصعيد الإقليمي ودفع الجهود الديبلوماسية لخلق الظروف للتوصل إلى سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين وفي المنطقة".
فما قاله بوريل عن ضرورة تلاقي الإرادات الخيّرة لتجنبّ حرب إقليمية واسعة انطلاقًا من جنوب لبنان يتقاطع مع ما يبديه رئيس الحكومة من مخاوف متعاظمة لا يتوانى عن الإفصاح عنها في اتصالاته الداخلية والخارجية، وذلك لتجنيب لبنان ما لا طاقة له على تحمّله من كل النواحي. فالحرب إذا وقعت ستكون كارثية على كل المستويات الإنسانية والاقتصادية والعمرانية، خصوصًا أن بعض الخبراء العسكريين يتوقعون أن تكون الخسائر التي سيتكبّدها لبنان هذه المرة ضعف أضعاف الخسائر التي لحقت به في حرب تموز، من دون أن يعني ذلك أن الوضع في العمق الإسرائيلي سيكون أفضل حال من الوضع الكارثي في لبنان. وهذا ما تعرفه إسرائيل جيدًا، وذلك استنادًا إلى ما يصل إليها من تقارير استخبارتية عن حجم وقوة ترسانة "حزب الله".
ولكن وعلى رغم الوضع المقلق في الجنوب المتوازي مع صدى الحرب على غزة، فإن ما ختم بوريل زيارته به بالنسبة إلى دفع الجهود الديبلوماسية لخلق الظروف للتوصل إلى سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين وفي المنطقة، قد يفتح الباب لتسويات ممكنة، وهذا ما سينعكس استقرارًا في لبنان والمنطقة كلها.