كتبت سابين عويس في" النهار": في إطار الخطوات التحضيرية المواكبة لدخول
لبنان برنامجا مع
صندوق النقد الدولي، وقبل أن تعود بعثة منه إلى
بيروت هذا الشهر للجولة الثانية من المفاوضات مع الفريق اللبناني، كانت لحاكم
مصرف لبنان كريم سعيد محطتان مهمتان إحداهما في
واشنطن والثانية في
باريس.
في كلا المحطتين ركّز سعيد على مسار الإصلاحات الهيكلية في القطاع المصرفي وسبل دعمها تشريعياً وتنفيذياً ضمن إطار زمني محدد ووفقاً للقدرات المتاحة، على ما أعلن بيان صادر عن المصرف المركزي. وأشار إلى أن البحث مع مسؤولي الخزانة
الفرنسية تناول المعايير التقنية المطلوبة لوضع خريطة طريق لإعادة هيكلة المصارف، تكون منسقة على المستوى الوطني وتتيح معالجة تدريجية لحقوق المودعين.
كما في باريس كذلك في واشنطن. وفي سياق مشاركته في برنامج تنفيذي في مقر الصندوق شمل جلسات حول الحوكمة وإدارة الأزمات وضبط تدفقات
رأس المال، كان للحاكم لقاءات واجتماعات تناول فيها العمل لوضع خريطة طريق بمساعدة تقنية من الصندوق، ليست في الواقع خطة الحكومة بعد حتى يتم تبنيها.
وأفادت المعلومات المتوافرة أن سعيد أبلغ مسؤولي الصندوق أنه يعتزم تعيين مستشار مستقل لدعم هذه العملية، وهم رحبوا بالاقتراح، معربين عن الاستعداد للتعاون مع طرف ثالث مستقل يختاره المركزي لإنجاز العمل المطلوب، على أن يتم تقديم خريطة الطريق هذه إلى رئيس الوزراء والوزارات المعنية كالمال والاقتصاد، فضلاً عن الفريقين الاستشاريين في كل من
قصر بعبدا والسرايا، من أجل الحصول على توافق في الآراء يؤدي إلى تحويل هذه الخريطة إلى خطة عمل رسمية للحكومة بغية إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإدارة الأزمة، على أن يكون للمصارف رأيها أيضاً لكونها المعنية الأساسية بتشكيل أساس برنامج الاستقرار المالي وسداد الودائع المزمع وضعه وإحالته على المجلس النيابي لاستصدار قانون في شأنه.
يدرك سعيد الذي يتعرض لحملة داخلية شرسة، أنه لن يكون قادراً وحده، في ظل عدم وجود مجلس مركزي بسبب تعطل التعيينات المالية، على وضع خريطة الطريق المشار اليها والتي للمصرف المركزي دور أساسي فيها، ما حتم عليه اللجوء إلى استشاري دولي مستقل، لن يكون حتماً شركة "لازار" التي استعانت بها وزارة المال، لسببين، أولهما تضارب الصلاحيات بين المركزي والمالية، وثانيهما والأهم أن سعيد ليس مقتنعاً بالخطة التي وضعتها "لازار" سابقاً.
وإلى جانب الحملة الداخلية، وجوهرها الدور الأساسي للمصرفي المركزي في ضبط اقتصاد الكاش وتنظيم عمل الشركات المالية، يواجه الحاكم معركة إقناع مع صندوق النقد في مسألة
الفجوة المالية وتوزيع الخسائر، حيث للصندوق رأي يرفع أي مسؤولية عن الدولة ويحمّلها للمركزي والمصارف، مقترحا بيع
الذهب لتغطية الفجوة. في حين لا يقلل سعيد من أهمية رأي الصندوق، لكنه ينظر إليه على أنه رأي استشاري وليس منزلاً، على قاعدة أن هذا الموضوع لا يدخل في صلب مسؤوليته في إطار إعداد البرنامج أو تقديم المشورة. ويوافق الفرنسيون سعيد في مقاربته لجهة أن تحديد حصة الدولة أو المصارف أو المركزي من عملية توزيع الخسائر يجب أن يكون مسؤولية وطنية ويتطلب توافقاً على أعلى المستويات، من خلال قرار سياسي منسق مع المجلس النيابي.
وعلم أن الاجتماعات الأخيرة بين الحاكم ومسؤولي الصندوق كانت إيجابية، وأفضت إلى بلورة نقاط التباين في وضع المقاربات التي على أساسها ستبنى الخطة، على نحو يتيح التقدم في مسار التفاوض حول البرنامج، انطلاقاً من خطة حكومية واضحة تكون ثمرة جهد مشترك وتعاون وتنسيق بين المركزي ووزارة المال.