قبل ستة أيام من عودة الموفد الأميركي توماس برّاك إلى
لبنان لا يزال موقف الرؤساء الثلاثة، المطلوب منهم أجوبة واضحة ونهائية، ضبابيًا وغير مستقرّ على رأي واحد، خصوصًا بعدما ارتفعت لهجة أكثر من مسؤول في "
حزب الله" برفض تسليم السلاح حتى ولو أُعطي لـ "الحزب" ضمانات أميركية لا يثق بها في الأساس، لأنه يعتبر أن
الولايات المتحدة الأميركية منحازة لإسرائيل، وهي تدعم مواقفها حتى ولو كانت ظالمة.
فـ "حزب الله" الرافض أن يتخّلى عن سلاحه بحجّة أن
إسرائيل لا تزال تحتل التلال الجنوبية الخمس، ولا تزال تستهدف عناصره أينما وجدوا، يقابله منطق آخر يدحض مقولة أن "سلاح الحزب يحمي" ليتبيّن للقاصي والداني على حدّ سواء، وبالأخصّ البيئة الحاضنة لـ "
المقاومة الإسلامية" أن هذا السلاح لم يحمِ القرى التي دُمرّت وأُزيلت عن بكرة أبيها، لا في الجنوب ولا في البقاع، ولم يردّ الأذى عن أهل الضاحية الجنوبية لبيروت، بل كان سببًا مباشرًا لكل ما حلّ بأهالي تلك المناطق المنكوبة، والتي لا تزال تنتظر إعادة إعمارها غير المتوافرة لها الظروف الملائمة حتى الآن، خصوصًا أن من في يده مفتاح تحريك ملف إعادة الاعمار لا يزال يشترط من ضمن شروط كثيرة ألاّ يبقى سلاح إلا في أيدي القوى الشرعية، التي تحدّثت عنها مقدمة اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي هذا الوقت يبدو أن المسؤولين اللبنانيين يسابقون الزمن للوصول إلى صيَغ مقبولة لورقة من المفترض أن تتضمّن أجوبة عن أسئلة سبق أن طرحها بارّاك في زيارته الأخيرة، والتي جاءت على شبه اقتراح يقضي بوقف اعتداءات إسرائيل وانسحاب قواتها من مواقع تتمركز فيها بالأراضي
اللبنانية، في مقابل تخلّي "حزب الله" عن سلاحه. إلاّ أن تصعيد لهجة أكثر من نائب في كتلة "الوفاء للمقاومة"، ومعهم زملاء لهم في كتلة "التنمية والتحرير"، برفض تسليم السلاح تحت أي ظرف من الظروف، خصوصًا إذا كان هذا التسليم يصبّ في مصلحة إسرائيل أولًا وأخيرًا، قد صعّب على رئيسي الجمهورية والحكومة المهمة التوفيقية بين الطروحات المتناقضة، خصوصًا أن موقف الرئيس
نبيه بري معروف، كونه رئيسًا للسلطة التشريعية ورئيسًا لحركة "أمل" المتضامنة تلقائيًا مع أي طرح يكون على حساب "المقاومة الإسلامية".
إلاّ أن ثمة معلومات قد وصلت إلى القصر
الجمهوري في الساعات القليلة الماضية تشير إلى أن القيادة السياسية في "حزب الله" لم تغلق باب الأخذ والردّ كليًا، وأن ما يثار من مواقف في الاعلام لا يعبّر تمام التعبير عن حقيقة الموقف، الذي يمكن أن تتخذه هذه القيادة، وذلك بعد أن تكون قد تجمّعت لديها كل المعطيات المحيطة بهذا الملف.
وعلى رغم أن هذه المعلومات التي وصلت إلى بعبدا لم تكن جازمة، وبالتالي لا يمكن التأسيس عليها لبلورة موقف رسمي نهائي، خصوصًا أن ثمة تباينًا في وجهات نظر أعضاء اللجنة الموكلة إليهم مهمة وضع الملاحظات القانونية والسياسية واللوجستية قبل التوصّل إلى رسم الخطوط العريضة لمسودة الموقف اللبناني الرسمي، والذي سيبلّغ إلى الموفد الأميركي، الذي سيحمل بدوره الردّ اللبناني إلى الإدارة الأميركية، التي تبدو أنها مستعجلة للتوصّل إلى حل سريع لموضوع سلاح "حزب الله"، الذي تعتبر أنه ليس في موقع يسمح له بالمناورة كثيرًا، وأن على الدولة اللبنانية أن تتحمّل مسؤوليتها كاملة عن وضع نهاية لهذا الملف العالق.
فالموقف الأميركي واضح وغير قابل للجدل، ويتلخص بعدّة لاءات مرتبطة بتسليم "حزب الله" لسلاحه، ومن بينها "لا إعادة إعمار"...إلاّ، "لا مساعدات عينية إلا ما هو ملحوظ في السياسة العامة لجهة مساعدة الجيش وسائر القوى الأمنية المطلوب منها أن تكون المسؤولة الوحيدة عن الأمن اللبناني من حدوده الجنوبية حتى حدوده الشمالية والشرقية". ومقابل هذه اللاءات هناك كلام عن فرض عقوبات جديدة على لبنان في حال فشل في إيجاد حل منطقي ومقبول لسلاح "حزب الله". وهذه
العقوبات في حال كانت
واشنطن جدّية في فرضها ستُدخل لبنان في دوامّة الأزمات الاقتصادية والمالية المعقّدة أساسًا، والتي تصبح معها مسألة الخروج منها صعبة جدًّا، إن لم نقل مستحيلة. وهذا ما يقلق المسؤولين اللبنانيين، الذين يجدون أنفسهم "حجرًا بين شاقوفين"، وبين خيارات أحلاها مرّ كالعلقم.
وما يجعل الأمر معقدّا أكثر من اللزوم اشتراط واشنطن على لبنان بالتوازي مع خطوة تسلّم كل سلاح غير شرعي على الأراضي اللبنانية، وفي طليعته سلاح "حزب الله"، تحسين علاقته بالنظام السوري الجديد، وبما يتطلبه هذا الأمر من خطوات تنسيقية بين الحكومتين اللبنانية والسورية.