لم يعد الطريق إلى كأس العالم 2026 مجرّد سباقٍ بين الكبار، بل تحوّل إلى مهرجان مفاجآت يشهد انقلاباتٍ درامية على خارطة كرة القدم العالمية. فبين تأهلٍ تاريخي لمنتخب الرأس الأخضر، وحلمٍ "مجنون" يراود سان مارينو، وسباقٍ محمومٍ تخوضه اثنا عشر منتخبًا نحو المجد الأول، يقترب "المونديال" المقبل من أن يكون أكثر النسخ ثورية في تاريخ اللعبة.
الرأس الأخضر.. معجزة أفريقية تكتب التاريخ
من سواحل الأطلسي إلى أضواء العالم، كتب منتخب الرأس الأخضر واحدة من أروع القصص في تاريخ التصفيات الأفريقية، بعدما انتزع بطاقة التأهل إلى كأس العالم 2026 للمرّة الأولى في تاريخه.
ذلك المنتخب الذي وُلد من أرخبيل صغير لا يتجاوز سكانه 600 ألف نسمة، قدّم أداءً بطوليًا في التصفيات، متجاوزًا منتخبات ذات تاريخ وقوّة مالية أكبر، ليصبح سادس منتخب أفريقي يضمن تأهله إلى "المونديال" بعد المغرب وتونس ومصر والجزائر وغانا.
وهذا التأهلّ ليس مجرّد رقم جديد في قائمة المشاركين، بل دليل على التحوّل العميق في كرة القدم الأفريقية التي باتت أكثر انفتاحًا على المفاجآت بفضل تطوّر المدارس التدريبية وانتشار المحترفين في أوروبا.
سان مارينو.. من القاع إلى الحلم
في المقابل، يعيش منتخب سان مارينو، أضعف منتخبات أوروبا والعالم، حلمًا لم يكن أحد ليتصوّره. فبعد أن أنهى التصفيات الأوروبية بلا أي فوز وبسلسلة من الهزائم المعتادة، وجد نفسه على أعتاب سيناريو درامي قد يقوده إلى كأس العالم بفضل لوائح
الاتحاد الأوروبي ودوري الأمم الأوروبية.
تصدّر سان مارينو مجموعته في المستوى الرابع من البطولة، وجمع 7 نقاط جعلته في موقع متقدّم في ترتيب المنتخبات التي قد تستفيد من نظام الملحق
الأوروبي الجديد.
ورغم أنه لا يملك أي فوز رسمي في تاريخه، فإنّ الاحتمالات النظرية تُبقيه في دائرة الأمل، بانتظار نتائج منتخبات مثل رومانيا والبوسنة.
إن تحقق هذا السيناريو، فسيكون أكبر إنجاز رمزي في تاريخ كرة القدم الأوروبية، ودليلًا على أن حلم "المونديال" لم يعد حكرًا على الكبار.
"
فيروس الفيفا".. لعنة الإصابات التي تهدد المنتخبات الكبرى
لكنّ الوجه المشرق لتصفيات 2026 يقابله وجهٌ قاتم من الإصابات المتفشّية بين نجوم المنتخبات خلال التوقّف الدولي الأخير. فقد تحوّلت معسكرات المنتخبات إلى غرف علاج جماعي. ففي إسبانيا، خرج داني أولمو وفيران توريس بسبب إصابات عضلية، والتحق بهما دين هويسن. وفي البرتغال، خسرت غونزالو إيناسيو، بينما خضع رافاييل لياو للراحة الإجبارية.
أما إيطاليا فتلقّت ضربة بمغادرة مويس كين لمعسكرها، وفرنسا فقدت إبراهيما كوناتي. وحتى الأرجنتين عانت من مشاكلٍ بدنية لإنزو فرنانديز وفرانكو ماستانتونو.
ومع ذلك، ما زال بعض النجوم، مثل كيليان مبابي ولامين يامال وهاري كين، يلعبون تحت ضغط الإرهاق، ما فجّر موجة غضبٍ بين الأندية والاتحادات.
الظاهرة التي باتت تُعرف بـ"فيروس الفيفا" تثير جدلًا متصاعدًا حول استنزاف اللاعبين بين الالتزامات المحلية والدولية، وتضع الاتحاد الدولي في مرمى الانتقادات بسبب ازدحام الجدول الزمني.
خريطة المتأهلين وصيّادو الحلم المونديالي
حتى اللحظة، تأكدت مشاركة مجموعة من المنتخبات في مونديال 2026، وهي اليابان،
إيران، أوزبكستان، الأردن، كوريا الجنوبية، أستراليا، المغرب، تونس، مصر، الجزائر، غانا، الرأس الأخضر، الأرجنتين، البرازيل، أوروغواي، الإكوادور، كولومبيا، باراغواي، نيوزيلندا، إلى جانب الدول المضيفة:
الولايات المتحدة، كندا، والمكسيك، فيما تأهلت كاليدونيا الجديدة وبوليفيا إلى الملحق القاري الذي سيمنح آخر البطاقات. وفي الوقت ذاته، لا تزال 12 دولة تلاحق حلمها الأول في الظهور المونديالي، وهي بنين، الغابون، مدغشقر، إسواتيني، مقدونيا الشمالية، ألبانيا، كوسوفو، مولدوفا، سلطنة عمان، سورينام، كوراساو، وكاليدونيا الجديدة، حيث تواصل هذه المنتخبات كتابة فصل إنساني استثنائي في كرة القدم، عنوانه الإصرار على كسر القيود ومقارعة المستحيل.
إذًا، في الطريق إلى "مونديال 2026"، يبدو أن العالم يستعدّ لاستقبال نسخة غير تقليدية من البطولة. نسخةٌ قد تجمع بين أبطال العالم وأساطيرهم، وبين منتخبات لم تعرف الفرح الكروي إلا من خلال الحلم.
إنها ملامح مرحلة جديدة من اللعبة، حيث لا يعود الفوز حكرًا على الأقوياء، ولا يصبح المستحيل أكثر من عنوان مؤقت في كتاب كرة القدم.