Advertisement

لبنان

الراتب لم يعد المصدر الوحيد.. كيف يعيش اللبنانيون إذاً؟

زينة كرم - Zeina Karam

|
Lebanon 24
08-11-2025 | 02:30
A-
A+
Doc-P-1439525-638981881949956056.jpg
Doc-P-1439525-638981881949956056.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
حين يدخل المواطن إلى السوبرماركت للتبضع، يسأل نفسه أمام الفاتورة الهائلة التي يحصّلها: "كيف عايشين الناس؟". هذا السؤال بديهي وليس مستغرباً في بلد باتت فيه القدرة الشرائية متدنية جداً بفعل الأزمات المتلاحقة وعدم وجود سياسات نقدية فعلية من قبل المسؤولين. أما اليوم، فسنحاول الإجابة عن هذا السؤال الذي يدور في بال الجميع.
Advertisement
باتت مصادر الدخل في لبنان انعكاسًا مباشرًا للأزمة المزمنة وتحوّلاتها النقدية والاجتماعية. لم تعد المعيشة تقوم على راتب واحد أو مهنة ثابتة، بل على شبكة من الموارد المتداخلة تتيح للناس النجاة من التضخم وانعدام الثقة بالنظام المالي.
هكذا وصف البروفسور والخبير الاقتصادي بيار الخوري ما يحصل مع اللبنانين، معتبراً أن الدولار الفريش بقي محور هذه الشبكة، فهو العملة الوحيدة التي تضمن قيمة حقيقية في سوق تتبدّل أسعارها يوميًا.
وقال لـ"لبنان 24": "كل شيء تقريبًا، من الإيجار إلى الطبابة، بات يُسعّر بالدولار النقدي، فيما فقدت الليرة دورها كوسيط موثوق للتبادل. ومع ذلك، أفرز هذا الواقع طبقتين اقتصاديتين: فئة تمتلك منفذًا للدولار وتحافظ على قدرتها الشرائية، وأخرى تعيش على الهامش داخل اقتصاد "ليروي" متآكل".
وأضاف: "تعاميم مصرف لبنان شكّلت بدورها أداة لتأمين شرعية جزئية للسيولة. فقد سمحت بعض هذه التعاميم للمودعين بالحصول على أجزاء محدودة من ودائعهم وفق آليات نقدية أو مصرفية خاصّة، ما جعلها مصدر دخل واقعي لشريحة واسعة من الأسر".
ورغم الطابع المقيّد لهذه الآليات، فإنها منحت غطاء قانونيًا جزئيًا لتسييل أموال الناس، فحدّت من انعكاسات الازمة على قطاع الأسر، لكنها في الوقت نفسه عمّقت التفاوت بين من استفاد ومن حُرم.
بموازاة ذلك، ازدهرت المنصّات الإلكترونية كقنوات بيع وتبادل مباشر، أفرزت سوقًا رقمية نابضة خارج النظام الضريبي التقليدي. هذا النشاط، رغم فوضويته، أنقذ آلاف العائلات عبر فرص البيع بالتجزئة أو الخدمات عبر الإنترنت او خدمات اللوجيستية (التوصيل). كما أصبحت التحويلات الخارجية، من المغتربين أو العاملين عن بعد لشركات أجنبية، الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد المنزلي، فوفّرت تدفقات نقدية ثابتة بالدولار وأمّنت استقرارًا نسبيًا للاستهلاك المحلي.
في ظل هذا التنوّع، ظهرت المضاربات في "الفوركس" (سوق عالمي يتم فيه تبادل عملة بأخرى)، والعملات الرقمية كقنوات دخل جديدة أكثر جرأة. فالتداول عبر وسطاء مرخّصين أو عبر المنصّات العالمية بات وسيلة حقيقية لكسب المال في غياب فرص العمل المحلية. وبالرغم من المخاطر العالية والتقلبات الحادة، اعتُبرت هذه الأنشطة شرعية ما دامت تُدار بأموال معروفة المصدر وعبر قنوات منظمة. في الوقت ذاته، استمرّ الذهب بلعب دور "العملة الشعبية الآمنة"، فازدادت حركة شرائه كوسيلة ادّخارٍ ملموسة ( او إعادة تسييل عند الحاجة بسعر اعلى) في مواجهة تضخّم يلتهم كل قيمة أخرى.
أما في الهامش المظلم من الصورة، فأكد الخوري أن الاقتصاد الموازي ظلّ ينمو على أنقاض الثقة المفقودة. التهريب، تجارة الممنوعات، الجريمة العابرة للحدود وبعض الاستثمارات العقارية المشبوهة ظلّت قنوات لتدوير أموال مجهولة المصدر، في ظل ضعف الرقابة وتضارب السلطات. هذا المشهد المختلط بين الشرعي والموازي خلق اقتصادًا موزّع الطبقات، تحكمه السيولة لا الإنتاج، ويقوم على البقاء لا النمو.
وهكذا تحوّل الدخل في لبنان من مفهومٍ ثابت إلى معادلة مرنة توازن بين النقد المتاح، والفرص الرقمية، والمهارة في الالتفاف على الأزمات. لم يعد اللبناني ينتظر راتبه، بل يصنع تدفقه النقدي من كل ما يمكن تحويله إلى سيولة.
وربما هذه القدرة على الابتكار المالي هي التي أنقذت الناس من السقوط الكامل، بعدما تركت الدولة نفسها عارية من أدوات التخطيط والرقابة، أمام اقتصاد يعيش على مزيج غريب من الأمل والعزم والارتجال والمساومة على الاخلاق، أكثر مما يعيش على الاساسيات والسياسات.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

زينة كرم - Zeina Karam