كتب عماد مرمل في" الجمهورية": بدا لافتاً قول الرئيس جوزاف عون، إنّ مسؤولين أميركيين أبلغوه أنّ عدداً من اللبنانيين الذين يقصدون الولايات المتحدة «يبخّون سماً على بعضهم البعض»، وهم مصدر الأخبار المسيئة. وأضاف: «لقد أصبح بعض اللبنانيين لا يرحمون حتى أنفسهم. وأنا بتّ أتسلّم نفياً من الأميركيين لما يُقال. هناك فئة من اللبنانيين همّها تشويه الصورة، وهي لا تقصد الأميركي لتنقل إليه حقيقة الأمر. عليك أن تقول للأميركيين الحقيقة كما هي، لا كما يحب أن يسمعها مثلما يفعل البعض، وهو يقتنع عندذاك».
يعكس موقف عون المباشر والواضح حجم الاستياء والمرارة لديه حيال سلوك فئة من الزوار السياسيين اللبنانيين لواشنطن، ممن يستسهلون النميمة والثرثرة أمام المسؤولين الأميركيين لكسب رضاهم وتحريضهم على السلطة الحاكمة في
بيروت.
وإذا كان عون قد تفادى تسمية المقصودين بكلامه، إلّا أنّه ليس صعباً الاستنتاج من هم المعنيون به، بعد فرز هويات «السياح السياسيين» في أروقة الإدارة الأميركية والتدقيق في الخط البياني لمواقفهم التصاعدية والتصعيدية التي تتهم عون والجيش بالتخاذل أمام «حزب الله»، وبالتقصير في سحب سلاحه وبسط سلطة
الدولة على كل أراضيها، ما قد يؤدي، في رأيهم، إلى تضييع فرصة ثمينة للتخلص من قوة «الحزب» ونفوذه.
ويبدو أنّ أصحاب هذه النظرية يقفون على يمين الولايات المتحدة وتل أبيب، وهم يحاولون تسويق «بضاعتهم» في الدوائر الأميركية ضمن سياق مسعى لتحريض إدارة
دونالد ترامب على رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية، ولدفعها إلى زيادة الضغط عليهما من أجل تطويعهما لأجندة محدّدة.
وتعكس هذه الخفة واللامسؤولية في مقاربة قضايا أساسية، ثقافة سياسية غير جديدة أصلاً، بل هي تتمظهر بأشكال متشابهة في كل المراحل التاريخية، تماماً كما حصل على سبيل المثال في الحقبة
السورية، حين كانت شخصيات لبنانية تذهب إلى دمشق لتشكو على خصومها أو حتى حلفائها، ولتستقوي بالجانب السوري عليهم. كذلك، هناك من كان يرفع التقارير إلى دمشق مباشرة أو إلى ممثليها في «البوريفاج» و«عنجر»، لتأليبها على هذا أو ذاك، ولتشويه الحقائق وفق مقتضيات مصالح ماسحي الجوخ.
ونموذج العلاقة بين بعض السياسيين والسعودية لم يكن أفضل بدوره، إذ كان هؤلاء يحرصون على إسماع الرياض ما تحب أن تسمعه، لا ما يستطيعون فعله حقاً، وذلك بغية كسب دعمها المادي قبل أن تكتشف المملكة لاحقاً أنّ «استثماراتها» في عدد من الحلفاء ذهبت سدى، ولم تأتِ بمردود سياسي يتناسب مع حجم سخائها.
وهناك بين المزايدين في إثبات الولاء و«تبييض الطناجر» من أخذته «الحمية» إلى حدود الوشاية لدى مسؤولين سعوديين على لبنانيين آخرين، ما يُعدّ انعكاساً للكيدية السياسية واستقواءً بالخارج على أهل الداخل.
صحيح أنّ هوية الوصايات الخارجية على
لبنان تتبدّل تبعاً لموازين القوى التي تسود في كل مرحلة، لكن الثابت هو أنّ تجار السياسة قادرون على التكيّف مع كل منها، وتقديم الخدمات الجليلة لها.