كتب ميشال نصر في" الديار": في بلدٍ لم تعد أزماته تُعدّ ولا تُحصى، وفي لحظة سياسية تكاد تلامس حدود الانفجار الدستوري والمالي والأمني، اختار
رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يخرج عن صمته النسبي، ليرسم بكلماته صورة دقيقة عمّا يعتبره أخطر مرحلة يمرّ بها
لبنان منذ عقود. واضح ان مواقفه، ليست مجرد جولة تصريحات، بل إعلان موقف في توقيت بالغ الحساسية، راسما خط تماس جديد في المعادلة
اللبنانية: بين مَن يريد فتح معركة قانون الانتخابات بلا مشروع واضح، ومَن يضغط لفرض قراءة محددة للوضع الجنوبي، ومَن يستخدم ورقة العقوبات كأداة ضغط سياسية. قدم بري، الذي يتقن اللعب على حافة الاشتباك من دون الانزلاق إليه، أمام وفد نقابة محرري الصحافة لوحة مركّبة تختلط فيها الرسائل، في خطاب يشي بأنّ المرحلة المقبلة ليست عادية، وأنّ ما يواجهه اليوم ليس تفصيلاً في مسيرته الممتدّة منذ عقود، أهمها:
- الرسالة الاولى من بوابة الحملات السياسية، حيث أوحى بأنّ الهجوم عليه ليس ردّ فعل ظرفياً، بل حملة ممنهجة من "طرف معروف"، يحاول جره الى معركة استنزاف لا يريدها.
- الرسالة الثانية انتخابية، ظهر فيها أكثر حدّة، فالرجل الذي يتعامل مع هذا القانون باعتباره المفتاح السياسي للنظام اللبناني، أراد التأكيد أنّ أي تعديل لا يمكن تمريره بالقوّة، وأنّ الحديث عن الإصلاحات الانتخابية من دون توافق، ما هو إلا رمي كرة النار في حضن المجلس النيابي.
- الرسالة الثالثة خارجية، بدا متحدثا عن تحريض عمره "أكثر من 12 سنة"، متعاملا مع هذا الملف ببرودة مقصودة، في إشارة إلى أنّه ليس في وارد تضخيم الموضوع ولا تجاهله أيضاً.
- الرسالة الرابعة جنوبية، هذا الملف حضر بقوة في كلامه، حيث حاول رسم صورة مضادة "للرواية
الإسرائيلية"، حيث رأى أنّ غياب موقف لبناني موحّد تجاه الاعتداءات، يفتح الباب أمام روايات خارجية تستثمر الانقسام الداخلي. - الرسالة الخامسة عربية، أراد منها التأكيد أنّ الانفتاح الخليجي على لبنان لا يزال قائماً، وأنّ أبواب الرياض لم تُغلق يوماً أمامه.
- الرسالة السادسة الودائع، إلى حدّ إعلان: "الودائع مقدسة"، غاسلا يديه من اي عرقلة.
في خلاصة المشهد، اعتبر بري أنّ الأزمة الحالية هي "الأخطر في تاريخه وفي تاريخ لبنان.
وكتب رضوان عقيل في" النهار": لم يكن من المستغرب إقدام الرئيس
نبيه بري على إطلاق "المطالعة الدفاعية" عن "
حزب الله" أمام نقابة المحررين، حيث تأتي في إطار التكامل المرسوم بين الطرفين مع ازدياد الضغوط العسكرية والسياسية عليهما كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية، وكردّ على كثير من الأقاويل التي تتناول العلاقة بين الطرفين وتباعدهما في كثير من الملفات، خصوصاً بعد الرسالة التي وجّهها "حزب الله" إلى الرؤساء وفسّرها كِثر بأنها مناوئة للمواقف التي يتخذها بري.
عند سؤال بري عن إعادة بناء تنظيم الحزب، سارع إلى تأكيد هذا الأمر فوضعه في الإطار الطبيعي لمكوّن حزبي في استعادة تماسكه بعد كل الضربات التي تلقّاها ولا يزال يعمل على تحصين سِلم هيكله القيادي وترتيب أوضاعه الداخلية والتنظيمية. وإذا لم يأتِ بري على الوضع العسكري لحليفه، إلا أنه دحض المزاعم عن تهريبه للسلاح من البحر والبر أو الجو، وتوصيفه لكل ما يدور من معلومات في هذا الشأن بـ"الكاذبة وأن لا صحة لها"، لأنه يعرف أن
إسرائيل وكل المناوئين للحزب يستغلون هذه النقطة لتبرير استمرار استهداف كوادره ومواقعه العسكرية في الجنوب والبقاع.
يقدّم بري نفسه في موقع "حامل أمانة المقاومة السياسية" التي تحدث عنها
الأمين العام الراحل للحزب السيد حسن نصرالله في الكثير من إطلالاته، مشيراً إلى موقع الرجل على المستويين الشيعي والرسمي في آن معاً. ويدرك بري جيداً أن إسرائيل لن تتأخر في ملاحقة الحزب للوصول إلى استئصال كل أركانه، وليس العسكرية فحسب، وحصار مؤسساته والتضييق عليها. وأمام كل التحديات التي تواجه "الثنائي"، يقدم بري على ترسيم مجموعة من الخطوط الحمر في لحظة تتصاعد فيها حملات الضغوط على الحزب، والتي لن يكون مجموع الشيعة في منأى عنها، مع توقّع إقدام وزارة الخزانة الأميركية على توسيع لوائح العقوبات المالية ضد وجوه شيعية بغية تكبيل حركة الحزب أكثر قبيل الانتخابات. وثمة من يشجع في الداخل
اللبناني على "شدّ أيدي" أعضاء في الكونغرس لفرض عقوبات سياسية على بري نفسه، رغم أن الإدارة في البيت الأبيض لم تتبنَّ بعد هذا الخيار.
ويقول مراقبون إن موقف بري حيال الحزب جاء على شكل رسالة متعددة الأبعاد بغية تحصين أوراق القوة والتشديد على وحدة "الثنائي" الذي يستعد جيداً للانتخابات النيابية للذود عن مقاعده. ولا شك أن الحزب استقبل كلام بري بارتياح وترحيب كبيرين، لأنه يصدر عن مرجعية توفر له المظلّة السياسية والدفاعية.