Advertisement

لبنان

ترسيم الحدود مع قبرص: مكسب للبنان أم بداية صراع مع سوريا وتركيا؟

هتاف دهام - Hitaf Daham

|
Lebanon 24
26-11-2025 | 03:00
A-
A+
Doc-P-1446903-638997456428685943.jpeg
Doc-P-1446903-638997456428685943.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
يشكل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص لحظة مفصلية ضمن التحوّلات الجارية في شرق البحر المتوسط، حيث لم تعد مياه الإقليم مجرّد فضاء جغرافي يفصل الدول، بل تحوّلت إلى مسرح تتقاطع فيه المصالح الطاقوية مع الحسابات الجيوسياسية. فالترسيم الأخير لا يبدو خطوة تقنية لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة فحسب، بل يعكس تبدلاً في مقاربة لبنان لملف السيادة البحرية، إذ ينتقل من مرحلة الغموض والتردد إلى محاولة تثبيت حقوقه وتهيئة بيئة قانونية جاذبة للمستثمرين، بما قد يكرس دوراً فاعلاً له في سوق الغاز الإقليمي.
Advertisement

وتأتي زيارة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى بيروت اليوم لتعزيز هذا المسار، إذ من المتوقع أن تشهد الزيارة توقيع الاتفاقية رسمياً. ومن المفترض أن تُتوَّج هذه المحطة بعشاء رسمي في بعبدا، يشكّل إشارة سياسية إلى انتقال الملف من التفاوض المكتوم إلى مرحلة الترسيم الفعلي بين البلدين.

بالنسبة للبنان، ينظر إلى الاتفاق على أنه فرصة اقتصادية قد تساعد في التخفيف من وطأة الانهيار المالي عبر استقطاب شركات الطاقة وإعادة إدراج البلاد في خرائط الاستثمار العالمية. إلا أنّ هذا التفاؤل يصطدم، وفق أوساط سياسية، بأسئلة داخلية حول ما إذا كانت الدولة قد انتزعت الحد الأقصى من حقوقها، أم أنها اكتفت بما تسمح به موازين القوى الإقليمية وتعقيدات المشهد الدولي. فقد أُقرّت الاتفاقية في 23 تشرين الأول الماضي رغم اعتراضات عدّة، خصوصاً من أطراف ترى أن بيروت استعجلت التوقيع قبل استكمال ملفاتها الحدودية مع سوريا، التي تتشارك معها مساحة بحرية حسّاسة لم تحسم خطوطها النهائية بعد. فاستكمال التفاوض مع دمشق، وفق هذه الأوساط، كان يمكن أن يمنح لبنان موقعاً تفاوضياً أقوى في مواجهة قبرص، وربما مساحة أوسع لالتقاط مصالح مشتركة مع أنقرة ودمشق. ويرى المعترضون أن الابتعاد عن شبكة العلاقات الإقليمية التي تربط لبنان بدول الجوار لا يصب في المصلحة الوطنية، وأن الضغط كان ممكناً للحصول على شروط أفضل بدل الذهاب نحو اتفاق يخشى أن يكون متسرّعاً.

وتزداد الصورة تعقيداً مع دخول العامل التركي على الخط. فأنقرة، التي تقارب الملف البحري من زاوية الأزمة القبرصية وترفض أي ترتيبات تستثني القبارصة الأتراك، تنظر بحذر إلى أي اتفاق مع قبرص اليونانية يمكن أن يشكل سابقة تعزز موقع الأخيرة في إعادة تشكيل توازنات المتوسط. إذ ترى تركيا أن هذه الاتفاقيات ليست مجرد تفاهمات حدودية، بل خطوات ترسخ منظومات إقليمية قد تقصيها عن مشاريع الطاقة ومسارات التصدير إلى أوروبا. ويكتسب هذا الموقف زخمه في ظل عقيدة "الوطن الأزرق"، التي باتت تحدد بوصلة السياسة البحرية التركية، حيث يتحول البحر إلى امتداد مباشر للأمن القومي ومجال للحضور الجيوسياسي.

ومن هذا المنطلق، قد تستخدم تركيا أدوات ضغط دبلوماسية أو سياسية لإبقاء ملف الترسيم مفتوحاً، خصوصاً إذا بدا أن الغاز اللبناني سيشكّل رقماً مؤثّراً في توازنات الطاقة الإقليمية. وفي حال تغيرت المعادلات مستقبلاً، قد تجد أنقرة نفسها أمام خيارات إعادة التموضع أو السعي نحو شراكات اقتصادية جديدة مع بيروت.

وتتقاطع هذه المواقف مع مساعٍ تركية لإبرام اتفاق بحري مع الحكومة الانتقالية في سوريا، في خطوة قد تغير المعادلات البحرية في شرق المتوسط وتعيد رسم حدود النفوذ ومسارات الطاقة. وقد قدرت مسوحات جيولوجية أميركية احتياطات حوض الشام بنحو 3450 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط، ما يجعل المنطقة إحدى الساحات الأكثر وعداً والأكثر عرضة للتجاذبات في آن واحد.

في ظل هذا المشهد، يصبح ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص محطة ضمن سياق أوسع من قدرات أي دولة منفردة. وخيار لبنان اليوم، وفق خبراء اقتصاديين، هو تحويل هذا الترسيم إلى رافعة سياسية واقتصادية تعيد بناء الثقة المفقودة داخلياً وخارجياً. أما الفشل في إدارة هذا المكسب، فقد يعيد إنتاج دورة الأزمات ويدخل البلاد في مرحلة جديدة من التجاذبات الإقليمية التي لا يملك ترف خوضها مجدداً.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

هتاف دهام - Hitaf Daham