تصفّح بدون إعلانات واقرأ المقالات الحصرية
|
Advertisement

لبنان

بين منع الحرب واختبارات الفتنة.. الجيش في دائرة الاستهداف؟!

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
24-12-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1459307-639021688943232357.jpg
Doc-P-1459307-639021688943232357.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لم يكن الأسبوع الأخير عابرًا على المؤسسة العسكرية، فمن دون سابق إنذار، وجد الجيش نفسه في مرمى القصف ودائرة الاستهداف، وذلك بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت طريق القنيطرة-المعمرية في قضاء صيدا، والتي أسفرت عن سقوط ثلاثة شهداء بينهم عسكري، حاولت إسرائيل الادّعاء بأنّه ينتمي إلى "حزب الله"، في سياق محاولتها ايجاد أيّ "ذريعة" لتبرير أي اعتداء، من نوع القول إنّ الحزب "تغلغل" داخل الجيش.
 
وجاء استهداف الجيش بهذا الشكل على وقع استمرار الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، والتهديدات بتوسيع العملية العسكرية في لبنان، بمعزل عن التقدّم الذي يسجّل في اجتماعات لجنة الميكانيزم، لكن أيضًا على وقع اتساع الحديث الأمني والسياسي حول اختفاء النقيب المتقاعد في الأمن العام أحمد علي شكر، وسط شبهات "عملية استخباراتية" وما يرافقها من قلق داخلي من اختراقات وحروب ظلّ يبدو أنّها أيضًا لم تنتهِ فصولاً بعد.
 
بين الحادثين، يرى كثيرون أنّ غياب الانفجار الشامل حتى الآن هو نتاج توازن دقيق ومعقّد، يتقدّم فيه الجيش بوصفه أحد أبرز عوامل الضبط، لا الاشتباك. فالجيش لا يخوض معركة عسكرية بالمعنى التقليدي، لكنه يدير واحدة من أخطر المعارك غير المعلنة: معركة منع الانزلاق بما تنطوي عليه من الإمساك بالأرض، وضبط الإيقاع الأمني، وهذا الدور تحديدًا هو ما يضع المؤسسة العسكرية في مرمى الاستهداف السياسي والإعلامي الإسرائيلي.
 
الجيش كصمّام أمان
 
منذ بدء ما قبل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تنتهكه إسرائيل على مدار الساعة، يتعامل الجيش مع واقع بالغ التعقيد في جنوب لبنان. فهو ليس في موقع الاشتباك المباشر، ولا في موقع الانسحاب أو الغياب، بل في موقع الضبط الدقيق لمساحة رمادية بين الحرب والسلم. ويتجسّد هذا الدور في الانتشار، وفي التنسيق، ولكن أيضًا في إدارة التفاصيل اليومية التي تمنع أي حادث أمني من التحوّل إلى شرارة كبرى.
 
ولعلّ الأهمية الفعلية لهذا الدور لا تكمن فقط في الميدان، بل في السياسة. فالجيش يشكّل، في نظر العواصم الغربية والدول المعنية بالملف اللبناني، المرجعية الوحيدة القادرة على الإمساك بالجنوب ضمن منطق الدولة، ومنع تحوّله إلى ساحة خارجة عن السيطرة. ومن هنا تأتي الثقة الدولية المتجددة بالمؤسسة العسكرية، باعتبارها عنصر توازن لا يمكن الاستغناء عنه في هذه المرحلة، ولو أنّه لا يخلو بطبيعة الحال من المخاطر.
 
استنادًا إلى ما تقدّم، يمكن قراءة خطاب قائد الجيش العماد رودولف هيكل كجزء من معركة مزدوجة: تثبيت الثقة الداخلية والخارجية بالمؤسسة، في مقابل مواجهة محاولات "التضليل" التي تستهدف عقيدتها ودورها. وهنا يبرز التحدي الحقيقي، فالجيش الذي يدرك حساسيّة أيّ خطوة يمكن أن تُفهم داخليًا كاستهداف لفريق، أو تُستغل خارجيًا لتفجير الوضع، ولذلك فهو يسوّق لدوره كجسر تعاون، لا كطرف صدام، ولو أنه يتحرّك في حقل ألغام إن جاز التعبير.
 
حرب التشكيك الإسرائيلية
 
في الداخل إذًا، تُعاد صياغة صورة الجيش كضامن للاستقرار العام، لا كطرف يُستدرج إلى اشتباكات سياسي. لكن، في مقابل هذا الدور الضابط، تبرز استراتيجية إسرائيلية موازية تقوم على التشكيك المنهجي بالجيش ، وهي تُدار عبر التسريبات، والإيحاءات، والحملات الإعلامية غير المباشرة، التي تسعى إلى ضرب الثقة بالمؤسسة العسكرية، محليًا وخارجيًا.
 
وهنا يبرز حديث قائد الجيش عن "محاولات تضليل إسرائيلية تهدف إلى التشكيك بأداء الجيش وعقيدته"، وهو ما يلتقي مع ما يتردد دوريًا من سرديات تُرمى في الفضاء العام: مرة عبر الإيحاء بأن عناصر في الجيش "منتمون" إلى حزب الله، أو أنه "مخترَق"، ومرة عبر اتهام الجيش بالتقصير أو التواطؤ أو العجز… والهدف من كل ذلك واضح، وهو نزع صفة الحياد عن الجيش، وتحويله في الوعي العام إلى طرف مشكوك فيه، لا إلى ضامن للاستقرار.

هذه الحرب الناعمة، معطوفة على "حروب الظلّ" التي تبقى في الخلفية، وقد أعادت تظهيرها قضية اختفاء أحمد علي شكر، تحمل في طياتها مخاطر كبيرة. فالتشكيك بالجيش لا يضعف مؤسسة بعينها فحسب، بل يضرب آخر أعمدة التماسك الوطني في بلد يعاني أصلًا من انهيار سياسي واقتصادي شامل. كما أنه يفتح الباب أمام توترات داخلية، قد تتحوّل، في حال تراكمت، إلى فوضى أمنية تخدم الرواية الإسرائيلية عن “الدولة الفاشلة” التي تحتاج إلى "ضبط خارجي".
في لبنان اليوم، يبدو الجيش خط دفاع أخير عن فكرة الدولة، بكل هشاشتها. وبالتالي، فإنّ استهدافه، سواء عبر التشكيك أو التحريض أو بثّ الشبهات، هو جزء من معركة أوسع عنوانها: إسقاط عوامل الضبط تمهيدًا لفتح أبواب الفوضى. وإذا كان قائد الجيش يراهن على "الثقة الدولية" فضلاً عن التجربة الميدانية، فإن الرهان الداخلي لا يقل أهمية: حماية المؤسسة من الاستقطاب، وتحصين سرديتها الوطنية، وقطع الطريق على من يحاول تحويل الجيش من صمام أمان إلى ساحة اشتباك، وهنا بيت القصيد!

Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa