تحت عنوان رفع السرّية المصرفيّة لا يُهدّئ الثوّار ولو شمل "الكلّ"، كتبت باتريسيا جلاد في "نداء الوطن": ...وفي اليوم الثالث عشر حصلت استقالة الحكومة على وقْع هتافات الثوّار في الشارع. وإلى حين انقشاع الرؤية في الأيّام المقبلة، فإن يوم المساءلة والمحاسبة على سنوات الفساد الطوال آتٍ لا محالة، إستجابة الى مطالب المناضلين. فكيف ستتم محاسبة السياسيين على أفعالهم السابقة استناداً الى قانون الإثراء غير المشروع؟ وهل يكفي رفع السرّية المصرفية لمعرفة الأموال المنهوبة، وما هي الآلية التي يمكن اعتمادها؟
لم يعد خافياً على أحد أن عدداً كبيراً من المسؤولين والسياسيين في البلاد "آكلين البيضة والتقشيرة". هم الذين يتقاسمون قطعة الجبنة وفقاً لاعتباراتهم ومصالحهم، فبنوا القصور وتملكوا العقارات بملايين الدولارات، والأكثر من ذلك أنهم هرّبوا تلك الأموال ولا يزالون الى خارج البلاد فأودعوها في أرصدة بأسمائهم وأسماء مغايرة قائمة وأحياناً غير صحيحة كي لا تتمّ مساءلتهم: من أين لك هذا؟ واتهامهم بالفساد.
أما الشعب فكان الضحية، إذ ازداد فقراً فألغيت تلقائياً الطبقة المتوسطة واقتصرت الطبقات على الفقيرة والغنية. حتى أن القدرة الشرائية تراجعت والنمو تخطى نزولاً عتبة الصفر والجمود يتفاقم... والحكومة المستقيلة "فوق قرقو تقلّو" عمدت الى فرض المزيد من الضرائب على الطبقة الفقيرة.
إلا أن بعض الوزراء وفي محاولات أخيرة لتخدير الشارع اقترحوا المبادرة الى رفع السرّية المصرفية عن أموالهم. هذا المخرج ورغم أنه مفهوم مستجدّ على الساحة المحلية، الا أنه لا يشفي غليل الشعب ولا يرمم الثقة التي فُسخ عقدها منذ سنوات طوال بفضل الوعود الكاذبة.
جزء كبير من الأموال "المنهوبة "هي خارج البلاد، فما هي الأصول المتبعة عادة لرفعها؟
مفهوم السرّية المصرفية اختلف على مرّ الوقت عن ذلك الذي أنشئ لأجله في العام 1956. حينها ساهمت السرّية في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الإستقرار الإقتصادي، باختصار ساهمت في إثراء البلاد. في ما بعد اختلفت المعادلة وبات القانون يشكّل الى حدّ ما غطاءً لعمليات تمويل الإرهاب وتبييض الأموال وأخيراً لتحقيق الإثراء غير المشروع للسياسيين وأصحاب النفوذ.
هذا الغطاء للأعمال غير المشروعة جعل لبنان يعتمد تدابير وإجراءات عدة فأصدر العام 2001 القانون رقم 318 المتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وانخرط في اتفاقيتَي بازل 1 وبازل 2 وغيرهما... للتوفيق بين حاجته إلى السرّية المصرفية وضرورة انخراطه في الجهود الدولية لمكافحة جريمة تبييض الأموال.
وفي ما بعد استبدل القانون 318/2001 بآخر رقم 44/2005 الذي سمح لـ "هيئة التحقيق الخاصة" بطلب رفع السرّية المصرفية عن بعض الحسابات إذا تبين أنها تنطوي على تبييض الاموال وتمويل الارهاب.