كتبت فوراين بوليسي: كان بوتين يرغب في إضعاف «الناتو» منذ وقتٍ طويل، لكن يبدو أن حربه ضد أوكرانيا حققت هدفاً معاكساً فهي لم تُجدّد قوة الحلف فحسب بل منحته هدفاً جديداً بعد تجربة أفغانستان، ووسّعت نطاقه، نظراً إلى احتمال انتساب السويد وفنلندا إليه.
ارتكب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أربعة أخطاء كبرى في حساباته قبل إطلاق الغزو ضد أوكرانيا، فقد بالغ في تقدير كفاءة الجيش الروسي وفاعليته، واستخف بقوة إرادة الأوكرانيين وتصميمهم على المقاومة، وأخطأ أيضاً حين افترض أن الغرب المنشغل بملفات أخرى يعجز عن توحيد صفوفه سياسياً للتصدي للهجوم الروسي، وظن أن حلفاء الأوروبيين والأميركيين في آسيا لن يدعموا العقوبات المالية والتجارية الواسعة أو القيود المفروضة في مجال الطاقة لأي سبب.
لكنه أصاب في توقّع واحد: لن يدين المعسكر غير الغربي روسيا أو يفرض عليها العقوبات، ففي يوم اندلاع الحرب، حرص الرئيس الأميركي جو بايدن على تحويل بوتين إلى زعيم منبوذ على الساحة الدولية، لكن لا تعتبره معظم دول العالم منبوذاً.
على مر العقد الماضي، طوّرت روسيا علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، وآسيا، وأميركا اللاتينية، وإفريقيا، وهي المناطق التي انسحبت منها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، كذلك حرص الكرملين على التقرّب من الصين منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014، وعندما حاول الغرب عزل روسيا، تدخلت بكين دعماً لموسكو واتخذت خطوات عدة مثل التوقيع على صفقة خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا".
صوّتت الأمم المتحدة ثلاث مرات منذ بدء الحرب: مرتَين لإدانة الغزو الروسي، ومرة لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، ومرّت هذه القرارات، لكن عند احتساب حجم الشعوب الموجودة في الدول التي امتنعت عن التصويت أو صوّتت ضد تلك القرارات، سيتبيّن أنهم يشكّلون أكثر من نصف سكان العالم.
باختصار، لم يتوحّد العالم لاعتبار العدوان الروسي غير مبرّر، ولا يبدي جزء كبير منه استعداده لمعاقبة روسيا على أفعالها، بل تسعى دول معيّنة إلى الاستفادة من وضع روسيا الراهن، ومن المتوقع أن يجد الغرب صعوبة متزايدة في السيطرة على علاقاته مع حلفائه وأطراف أخرى اليوم وبعد انتهاء الحرب، نظراً إلى تردد المعسكر غير الغربي في تهديد علاقاته مع روسيا خلال عهد بوتين.
الصين هي الدولة التي تقود المعسكر غير الغربي الذي يرفض إدانة أفعال روسيا، فما كان بوتين ليغزو أوكرانيا أصلاً لو لم يكن متأكداً من الدعم الصيني لروسيا مهما حصل، إذ يؤكد بيان مشترك وقّعت عليه الصين وروسيا في 4 فبراير، وحين زار بوتين بكين في بداية الألعاب الأولمبية الشتوية، على شراكتهما اللامحدودة والتزامهما بالتصدي للهيمنة الغربية. قال سفير الصين في الولايات المتحدة إن الرئيس الصيني شي جين بينغ لم يطّلع على خطط بوتين المرتبطة بغزو أوكرانيا حين اجتمع الرئيسان في بكين، لكننا لن نعرف يوماً حقيقة ما قاله بوتين لنظيره الصيني، سواء ألمح إلى ما ينوي فعله أو كشف معلومات أخرى صراحةً.
كانت عودة روسيا إلى الشرق الأوسط من أبرز النجاحات التي حققها بوتين خلال العقد الماضي، فأعاد بذلك ترسيخ علاقاته مع دولٍ انسحبت منها روسيا بعد الحقبة السوفياتية وطوّر علاقات أخرى مع بلدان لم تكن مرتبطة بالاتحاد السوفياتي.
اليوم، أصبحت روسيا القوة العظمى الوحيدة التي تتواصل مع جميع دول المنطقة، بما في ذلك البلدان السنّية مثل المملكة العربية السعودية، والدول الشيعية مثل إيران وسورية، حتى أنها على علاقة مع جماعات متورطة في جميع النزاعات القائمة، واتّضحت نتائج التواصل مع دول الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
صوّتت معظم الدول العربية على قرار إدانة الغزو الروسي خلال أول تصويت في الأمم المتحدة، لكن لم تتخذ جامعة الدول العربية المؤلفة من 22 دولة خطوة مماثلة لاحقاً، وامتنع عدد كبير من الدول العربية عن التصويت على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، ولم يفرض أقوى حلفاء واشنطن، بما في ذلك السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، أي عقوبات على روسيا، كذلك، تكلم بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان مرتَين منذ بدء الحرب.