Advertisement

لبنان

التكاملية الروحية من الطوباوية الى الواقعية.. بين صدامية السابق و وفاقية اللاحق..!

Lebanon 24
29-02-2024 | 01:39
A-
A+
Doc-P-1169742-638447928511126736.jpg
Doc-P-1169742-638447928511126736.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
كتب وزير الشباب والرياضة الدكتور جورج كلاس في "النهار": يتحدد توصيف  المصطلحات  التي  يكثر  استخدامها في القاموس اللغوي الشائع  ، لتزخيم هدفيات الحوار  بين الاديان و الثقافات و المذاهب و التيارات الدينية ، أنطلاقاً من الرغبة بتجاوز الاشكالية التي  فرضت الكلام حولها والتعريف بخصوصياتها وظروفها وزمنيتها  و مكانتها ، و الانتقال الى استراتيجية توظيف معناها و دلالاتها لإنتاج فكر توفيقي بين اتباع الاديان. 
Advertisement
 ان المفهوم العام لمصطلح التكاملية الروحية  ينحصر بدلالة المعنى  ، حيث اى مبدأ التكامل يكون بين  سابق له قواعده وركائزه العقيدية، وبين لاحق  له رؤيته الحياتية و نظرته الإيمانية التي تقارب الالتزام العقيدي .و الإثنان ينطلقان من ثابت إيمانيٍّ واحد هو   الله الخالق ،  و ما يتعلق به من أوصاف وأسماء و نعوت سامية ، بعضهم إستخلصها   من التعاليم، وبعضهم أسبغها على الخالق فيض  محبة وتحنّنٍ  و استرحام و تغفر دائم .
 بالإستناد الى مفهوم السابق و اللاحق  ، فإن أي تناول لهذا المصطلح لا  يصح  الا  في البلدان والمجتمعات التي يشيع بين شعوبها أكثر من ديانة و مذهب إيماني ، بحيث لا يمكن مقاربة هذا الموضوع في مجتمع ديني مُقفَل او من طائفة روحية واحدة .  لذلك فان  الشرط الأول لشرح معنى  التكامل ،هو  وجود بيئة تعددية المعتقد و منفتحة على القيم الإيمانية التي تشكل المرتكز العقيدي للأديان على قاعدة النُبُوَّة لله، والمحبة للناس ,والتسامح و الإخاء والتساوي شراكة بين السماويين   ، مع التركيز على قيمة الحرية التي ترتبط عضوياً مع الكرامة الإنسانية  و التعاليم الروحانية ، تلازماً مع القيم المايزة  للإنسان .
 و يتوافق الكلام على  التكاملية الروحية   بين الأديان، مع مبدأ  تراكم القيم وتوارثها ديناً عن دينا وحضارة عن حضارة وشعباً عن شعب ، مما يظهر بوضوح  ان علامات التلاقي والتشارك بين التعاليم والقيم ، هي اكثر بكثير من دلائل الإنقسام و التباعد و التنافر الفكري و التعاكُساتِ السلوكية التي يمكن ان تظهر بين الجماعات ظرفيا.
وكلما زاد منسوب الانفتاح على اتباعِ الأديان والمعتقدات الاخرى  إتصف الدين بالإنسانية، على قاعدة المحبة والمقبولية والرحمة .
 والشرط الرئيس، لقابلية التكامل  بين المعتقدات ، وخصوصاً تلك تنوجد  أو تتعايش أو تتفاعل ميدانيا مع جماعات ذات إختلاف عقيدي  و ايماني ، هو وجود نصوص  دينية قابلة للتفسير والتطبيق مع ما يتوافق و روح العصر و متطلبات التحديث الفكري والتواصل الحضاري والتفاعل بين الثقافات، خصوصاً بعد التداخل الاجتماعي  و  الاندماج بن الشعوب، بعد زوال الحدود الوهمية و سقوط موانع التمازج الناتج عن الهجرة  من جهة، وعن سماح قوانين  بعض الدول  بالاندماج بمجتمعها و التمتع  بحصانة انسانية واجتماعية مدعومة بنصوص قانونية وفق مفاهيم الحرية والمساواة و  حقوق الانسان ومحاربة العصبيات العرقية  و الدينية التي هي نقيض التوافق والتكامل . 
معضلة المرجعية الدينية وجمودية  النص :
يصطدم  مصطلح   التكاملية الروحية  و بعدها المفهومي  بعلامات الجمودية لدى بعض المواقع المرجعية المتمسكة بالأصول الموروثة و التابعة لسلوكيات عقيدية  ينظرون الى  وضعيتهم من حيث انهم المخولون وحدهم  النطق بالحقيقة. 
ومن أدق الأمور التي يمانعون مناقشة مضامينها  وفهم ابعادها و لا يسمحون بتناولها بالجدال والمقارنة والموازنة والتحليل ، هو كل ما يدخل في صلب العقيدة  و مركزيات النص في وضعياته الأولى،  المَقولة والمُنْزَلَة والمَنقْولة ، تضاف اليها التصنيفات اللاهوتية والتفسيرات الفقهية و كتابات  المعاصرين المُحدَثين ، و تلك التي تعتبر نصوصا مرجعية معتمدة  يبنى عليها في التفسير  و الشرح و التبشير . 
و من هذا المنطلق، الذي تتداخل فيه  ألوهية النص العقيدي   بدور المرجعية الدينية و تأثيرها في المجتمع الإيماني  ، يمكن النظر الوضعي  والتقويمي للعلاقة الثابتة والمتحولة بين الأتباع و المريدين و المرجعية الدينية المتمتعة بصفة المرجعية  و المعترف بها علماً و قدرةً على الافتاء و التفسير و ابداء الرأي الديني و الشرعي ، كما تتصف بقدرتها على الإمساك بناصية اعطاء الفتاوى تفسيرا و توضيحاً و تحليلاً و تحريماً ، بما يتوافق و مستوى الإقرار  بواقعية الإختلاف  و الرفض القطعي لفرضية الخلاف المسبق.
و ينسل من ذلك وجوب الانطلاق من قاعدة فكرية ركيزتها ، ان  الفرادة المايزة  لدين او عقيدة تفرض روحياً الإبتعاد عن منطق التفرد و امتلاك حصرية ان يكون وحده على حق  !
هذه الخصوصية الايجابية للتعدديات الإيمانية في مسارها الانفتاحي في المجتمعات المتداخلة ، دينياً وحضارياً وثقافياً ، تنفتح على أساسيات التكامل بين  الروحي  و الفكري في نشر  التعاليم وإفهامها و إبراز القيم والعمل بهديها  ، مع الحفاظ على التمايزات في المبادئ و احترام العقائد و التأسيس على مرتكزات الإنفتاح الفكري نحو سلامية الاهداف وسموها الروحي  و الخلاص الإنساني.
من هذه القواعد الفكرية المبنية على طروحات واقعية،  والمنطلقة من فرضيات معقولة و الساعية الى مبادرات وقائية جريئة وواجبة، يمكن تناول المستوى الفهمي للمؤمنين  ضمن الجماعات المتنوعة ، بما يتناغم وروح العصر و يتوافق و سلامية الاديان و مفاهيمها الخلاصية .
  ومن التحديات التي تعترض  بعض المرجعيات الدينية في رسالتهم الروحية ودورهم  القيادي و الرعائي ، وجوب تمتع رجل الدين بثقافة عمودية تمكنه من معارف عميقة  في نشأة الدين وتأسيس المجتمع الإيماني ، بالتوازي مع وجوب التضلُّعِ  من ثقافة افقية توفر له التعرف الى خصائص الاديان الاخرى ، للتمكن من كيفية بناء علاقات سلامية وحوارية معها على قاعدة   التكاملية الروحية  الواقعية ، التى تكون مبنية على ثنائية فكرية تتوزَّعُ بين  التكاملية المعرفية   بمعناها الثقافي المستدام، و  التكاملية الحضارية  ، بذخرها التراثي التأصيلي و التحاوري  مع الاديان والحضارات وفق منهجية التعرُّف و التعارف  و التفاعل وخدمة المعرفة السلامية ، الهادفة الى بناء الإنسان الفرد و تكوين المجتمع وإ فادة الإنسانية بالمطلق .
و لعل اکثر التحديات بروزا في  صناعة الحوار الإنساني  الشامل على مفاصل الفكر الديني والسلوك الإيماني الإنفتاحي ، افتخارا بالسابقين  و فخرًا للاّحقين  ، هو ان نستحق الحاضر لنكون مؤهلين  لنستحق المستقبل ، مع الحفاظ على ركائز الخصوصية الايمانية ، و الاستعداد لمقبولية الآخر ومراعاة مبادئه العقيدية و خلقياته الإيمانية . 
ولا يتأتى ذلك الا من خلال تجاوز  المعوقات و الموانع المُعضلية  المطروحة التي تعترض او تعوق عملية  تحقيق  التكاملية الروحية  بأسمى وجوهها.
 و أكثر تلك المعضلات حدة و دقة هو السؤال ، ما إذا كانت  التكاملية الروحية الداخلية   في مجتمع معيَّن تتأثر  بعلاقات خارجية محورية  لبناء التكاملة الموجية بأسمى وجوهها ، لمعرفة مدى تمتع  مساعي اعتماد التكاملية الروحية داخل مجتمع محدد ، باستقلالية الخيار و  القرار ضمن هامش مقبول من الحرية ، أم ان القرار يعود حصراً للمرجعية  الكبرى ذات الموقعيَة الدينية الجامعة ؟
في هذا التساؤل  مايؤكد على تأثيرية  الفكر الإيجابي للمرجعية الروحية و مدى تمتعها  بحصرية اعلان  بيان المحبة  و التلاقي  والحوار  ، وقدرتها على الإبتعاد عن   صدامية السابق  و تجاوز الخلاف على الإختلاف ، وصولا  الى الوفاقية المأمولة  بين الجماعات  ، إستناد الى النظرية واقعية تؤكد ان نوعية المجتمعات بتنوعها . 
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك