تماشى الامين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم مع وقائع الميدان وتطورات الوضع الداخلي والتنظيمي في الحزب ليرسم معالم خطابه السياسي الاولى بمنصبه الجديد، علما ان كثر كانوا ينتظرون منه خطاباً اكثر حماس وتصعيد. اراد قاسم ان يواكب المرحلة بواقعية وان يسير مع الميدان لا ان يسيِّره هو، وعليه يجب قراءة كلمة قاسم انطلاقاً من هذه الثابتة.
تحدث قاسم عن عودة الحزب الى تنظيمه السابق وعين قادة عسكريين جددا وكذلك فإنه يطبق الخطة العسكرية التي وضعت سابقا، وكل هذه النقاط تدل على ان الحزب استفاق من الصدمة الاولى واعاد تنظيم نفسه، حتى انه اوحى بقدرة الحزب على الصمود لاشهر وربما لسنوات في الميدان، لافتا الى عملية التقنين في استخدام الاسلحة.
اعاد قاسم الخطاب الى اوله، مؤكدا انه لا فصل للجبهات وهذا ما يضع حدا للتسريبات الاعلامية، ويوحي بأن الحزب بات قادرا على تعطيل الاهداف، ما يعني انه استعاد جزءا من توازنه وقوته، وان كان غير قادر على رسم المعادلات حتى اللحظة فهو قادر حتما على منع تحقيق اهداف اسرائيل، حاسماً بذلك فكرة هزيمة الحزب الكبرى وبالتالي اصبح من الجالسين الى طاولة المفاوضات.
لم يتنازل قاسم عن لهجة التحدي، واستهزأ بعدم دخول الجيش الاسرائيلي الى عمق الجنوب، وهذا بحد ذاته امر يوحي بقدرة قاسم على التأكد من ان المعركة الميدانية تحت السيطرة بالرغم من كل الغارات والغطاء الناري والمدفعي الذي تقوم به اسرائيل. كل ما تقدم يوحي بأن خطاب قاسم كان في الاصل لتثبيت المرحلة الجديدة التي وصلها الحزب وهي مرحلة النهوض الفعلي واستعادة المبادرة العسكرية التكتيكية، هجوميا ودفاعيا.
من الواضح ان الحزب بحاجة مجددا لبعض الوقت، ليعود قادرا على فرض المعادلات الكبرى واسرائيل تعرف جيدا ذلك وتعرف ايضا انها غير قادرة على منع حصول هذا الامر، ومن لم يخرج من المعركة بعد الضربات الاولى لن يكون ممكنا منع نهوضه الكامل خلال الاسابيع المقبلة، وعليه يذهب نتنياهو الى تصعيد كبير في المرحلة الحالية للضغط على الحزب.
تساعد شخصية قاسم الباردة في اظهار قوة الحزب ولا مبالاته بالضغوط التي تحصل، لذلك فإن الغارات الجنونية التي تحصل في الجنوب وبعلبك اضافة الى السعي الهائل لتحقيق انجاز ميداني سريع في الخيام، يوحي بأن تل ابيب تسابق الوقت لانتزاع تنازل كبير وفعلي من الحزب..