للأول من أيّار رمزيّته الاستثنائيّة في الروزنامة العالميّة، كيف لا وهو اليوم الذي أضحى "عيدًا للعمال" بعد نضالات تاريخيّة كلّفت غاليًا. لكنّ هذه الرمزيّة تأتي "منقوصة" في لبنان، حيث تحوّل إلى مجرّد "يوم عطلة"، بدل أن يشكّل "فرصة حقيقيّة وجادّة" للنظر بواقع اقتصادي واجتماعي قاسٍ أرخى بثقله على العمّال، على امتداد الأزمات التي شهدها البلد، منذ الانهيار المالي، الذي جعل رواتبهم الهزيلة إلى حدّ بعيد، "مجرّد رقم".
ولعلّ ما يزيد ممّا يصفه كثيرون بـ"تسطيح المشهد"، أنّ عيد العمال يأتي "بلا رهجة"، فلا احتفالات حقيقيّة مُدرجة على "أجندته"، بما في ذلك تلك التظاهرة العمّالية السنوية، التي باتت مجرّد "رفع عتب" في السنوات الأخيرة، ليقتصر إحياء المناسبة على بعض "البيانات الإنشائية"، وربما "الشعرية"، التي يطلقها بعض الأحزاب والشخصيات السياسية، من باب "تمجيد" العمال، من دون أن يقدّموا له شيئًا ممّا يحتاجونه، فعلاً لا قولاً.
وإذا كانت "الصدفة" جعلت العيد يتزامن هذا العام، مع نقاش مفتوح في البلد حول رفع الحدّ الأدنى للأجور، وسط "كباش" مستمرّ بين ممثّلي العمال من جهة، وأصحاب العمل من جهة ثانية، تصل فيه الفروقات إلى مئات الدولارات، فإنّ النتيجة جاءت أن يمرّ الأول من أيار من دون أي اتفاق، أو "عيديّة" كما كان المعنيّون يأملون، فأيّ رسالة يوجّهها السياسيون للعمّال في عيدهم، وما هو واقعهم الحقيقي اليوم؟
لا "عيدية" للعمال
لا "عيدية" لعمّال لبنان في عيدهم، لا بوزن الـ900 دولار التي يطلبها ممثّلو العمال، الذين تنازلوا إلى حدّ 550 دولارًا، ولا بوزن الـ300 دولار الذي يضعه ممثلو أصحاب العمل "حدًا أقصى" يرفضون تجاوزه، فقد أعلن
وزير العمل محمد حيدر، تأجيل اجتماع لجنة المؤشر إلى يوم الأربعاء 7 أيار 2025، ما يعني أنّ العيد سيمرّ مرور الكرام على العمّال، خلافًا للآمال التي كانت معقودة على التوصّل إلى اتفاق قبل نهاية شهر نيسان.
علّل الوزير التأجيل بالسعي "لإفساح المجال أمام المزيد من المشاورات والنقاشات بهدف التوصل إلى أفضل صيغة ممكنة تتعلق بمسألة رفع الحدّ للأجور والتعويضات"، وهو كلامٌ بدا ملطّفًا للتعبير عن "
الفجوة الكبيرة" التي لا تزال موجودة بين
الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية، حيث ظهرت الخلافات بقوة في اجتماعات لجنة المؤشر، حيث اشتكى ممثلو العمال من غياب "المرونة" في الطروحات، خصوصًا من جانب
الهيئات الاقتصادية.
ولعلّ ما يخشى منه المعنيّون بعد نتيجة الاجتماعات "المخيّبة"، إن صحّ التعبير، حتى الآن على الأقلّ، هو أن يكون الأمر رُحّل مرّة أخرى إلى أمد بعيد بغياب التوافق، خصوصًا أنّ أيّ توافق لا يبدو "منظورًا" في ضوء الوقائع والمعطيات الحالية، وهو ما من شأنه أن يترك الواقع "العبثيّ" على حاله، من دون أيّ تغيير حقيقي، علمًا أنّ مسألة رفع الحدّ الأدنى للأجور مطروحة منذ أشهر طويلة، لكنها "عالقة" على ما يبدو في دائرة المراوحة نفسها..
رفع الحدّ الأدنى للأجور.. "تفصيل"!
بعيدًا عن السجال حول رفع الحدّ الأدنى للأجور، والذي يبدو "عقيمًا" في مكانٍ ما، ثمّة من يعتبر أنّ حصر "
النقاش" بهذا "التفصيل"، على أهميته، يشكّل "تسطيحًا" آخر للواقع العمّالي في البلاد، فالحدّ الأدنى للأجور ليس في الحقيقة سوى جانبٍ من معاناة العمّال، لكنّه بالتأكيد لا يختزلها بالكامل، فالمطلوب إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور، إجراء عملية "تصحيح" للأجور بصورة عامة، بحيث تتناسب مع الجهود، كما مع الوضع المعيشي العام.
وإضافة إلى "تصحيح" الأجور، يقول العارفون إنّ المطلوب أيضًا البحث في "سلة متكاملة" للعمال تشمل الحوافز المفترضة، بما في ذلك التأمين الصحّي، وشطور الأجور، والمنح المدرسية، والخدمات الاستشفائية، وغيرها، وكلّها يجب أن تدخل في صلب النقاش الدائر حاليًا، لأنّها في أساس التقديمات المفترضة للعمال، بعيدًا عن فكرة الحد الأدنى للأجور التي على أهميتها، بالنظر إلى هزالة بعض الرواتب، لا تعالج جذور المشكلة.
لكن إذا كان العامل وسط هذه الصورة، يبدو "رهينة" لما يريده أصحاب العمل، وهم أصحاب القرار، في الحدّ الأدنى للأجور وغيره، فإنّ الأكيد أنّ جانبًا أساسيًا من المسؤولية يقع عليه وعلى نظرائه، في ظلّ "تحدّ جدّي" أمامهم لتنظيم عملهم النقابي، بما يتيح تكثيف الجهود، وتحقيق المطالب، بتجرّد وبعيدًا عن التسييس الذي وقع فيه جسمهم التمثيلي كما الكثير من الحركات النقابية، فتحوّل إلى "نقمة" بدل أن يكون "نعمة"...
في عيد العمّال، لا ينتظر عمّال لبنان من ممثليهم المزيد من الوعود بتحسين الأحوال، وبالتأكيد، لا ينتظرون من السياسيين والأحزاب بياناتٍ تشيد بجهودهم، وتضع نقطة على السطر. لا يريد عمّال لبنان "مكافأة"، وهم لم يطلبوها أساسًا، لكنّ جلّ ما يريدونه هو الحصول على "حقوقهم"، "حقوق" يبدو أنّها لا تزال "رهينة" تجاذبات لا تبدو السياسة بعيدة عنها، تجاذبات قد لا تكون "مصلحة" العمال جزءًا منها في الواقع!