جاء الرد
الإسرائيلي سريعًا على الضربة التي نفّذها الحوثيون في اليمن، لكن هذا الرد، رغم توقيته، لم يحمل الطابع الرادع الذي تحاول
إسرائيل الإيحاء به. فالقصف الذي استهدف مناطق في محافظة الحديدة لا يبدو أنه تجاوز الطابع الاستعراضي الذي اعتادته إسرائيل ضد اليمن، خاصة أن منطقة المستهدفة إب الحديدة، تتعرض منذ زمن طويل لاستهدافات متقطعة، باتت تُدرج ضمن نمط شبه عادي من
الغارات التي لا تغيّر شيئًا في ميزان الردع.
في المقابل، تبدو الضربات الأميركية على اليمن، سواء عبر الطائرات أو من خلال قواعد بحرية، أكثر قسوة وأثرًا من الناحية العسكرية. فواشنطن تضرب بشكل مباشر وممنهج مراكز تابعة للحوثيين، في إطار استراتيجيتها، على عكس إسرائيل التي توجّه ضرباتها في إطار الرسائل الإعلامية أكثر منها رسائل ردع فعلي. وقد كان واضحًا أن الهدف من الضربة الأخيرة في الحديدة هو مجرد إظهار القدرة على الرد، أكثر مما هو رغبة في إشعال
جبهة اليمن بشكل فعلي.
اللافت في المشهد هو الاستنفار الفوري لقوات الجيش الإسرائيلي، بمجرد الإعلان عن تنفيذ الضربة، في إشارة إلى القلق الكبير من رد يمني محتمل قد يأتي خلال ساعات أو أيام. التخوف الإسرائيلي من الرد لا يعود فقط إلى تجربة الأسابيع الماضية، بل إلى إدراك
تل أبيب أن الحرب البحرية أو الجوية مع اليمن لا يمكن فصلها عن سياق الحصار الذي تسعى
صنعاء لفرضه على إسرائيل، سواء في البحر أو الجو.
هذا التصعيد يُدخل المنطقة في مشهد إقليمي بالغ التوتر، خصوصًا أن هناك مهلة محددة كانت قد أعطتها إسرائيل لحماس في غزة، بهدف الوصول إلى تسوية قبل أن تبدأ تل أبيب بتنفيذ خطتها الكبرى، القائمة على التهجير الكامل لسكان القطاع واحتلاله بشكل نهائي وشامل. هذه المهلة، وإن بدت محصورة بغزة، إلا أن انعكاساتها تطال جبهات أخرى، مثل
الجبهة اللبنانية التي عاد الحديث مجددًا عن احتمال اشتعالها، وكذلك
الجبهة الإيرانية التي ما زالت مهددة بضربات محتملة.
نحن اليوم أمام أيام أو أسابيع قليلة حاسمة، قد تحدد وجهة المعركة في المنطقة: إما إلى تسوية شاملة تُبنى على هذا التصعيد المتدرّج، أو إلى انفجار إقليمي واسع تُفتح فيه كل الجبهات دفعة واحدة.