Advertisement

لبنان

أعد لنا ما كان يا دهر في لبنان

اندريه قصاص Andre Kassas

|
Lebanon 24
07-05-2025 | 09:01
A-
A+
Doc-P-1356870-638822039404436738.png
Doc-P-1356870-638822039404436738.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
إذا أراد المرء أن يعود بالذكرة إلى سنوات ما قبل الحرب اللبنانية، وبالتحديد إلى الأيام، التي كانت توصف بـ "الزمن الجميل"، وقبل توقيع لبنان على اتفاق القاهرة، مرغمًا، وفي غفلة من الزمن، لا يمكنه إلاّ أن يتذكّر كيف كانت بلدات الاصطياف كعاليه وبحمدون وصوفر وحمانا تعجّ بالمصطافين العرب، وبالأخصّ منهم الخليجيين، وفي مقدمهم الكويتيون والعراقيون، الذين دفعهم حبّهم للبنان إلى التمّلك فيه وفق ما كانت تسمح به القوانين اللبنانية، وكانوا يمضون في هذه البلدات الصيف كله، وكانوا يشعرون بأنهم يعيشون في بلدهم الثاني كجزء مكمّل للنسيج اللبناني، الذي عرف كيف "يتخاوى" مع ضيوفه العرب، وذلك نظرًا إلى ما كان ما بينهم من مودة ومحبة واحترام، وهي صفات أضافت إلى ما يتميّز به لبنان من مناخ معتدل ومن جمال طبيعي خلّاب، توق الاخوة الخليجيين لتمضية معظم أوقاتهم الصيفية في الربوع اللبنانية.
Advertisement

وإذ اتذكّر، وأنا كنت من سكّان بحمدون المحطة، لا يسعني إلاّ أن أتوقّف عند محطات لا تزال راسخة في الذهن على رغم مرور زمن طويل على تلك الأيام الجميلة، التي كان فيها ليل هذه البلدات موصولًا بالنهار، حيث كانت الفنادق والمطاعم والمقاهي والملاهي تضجّ بالحياة، وحيث كان يحلو السهر على أنغام الطرب الأصيل، فكان للمطربين اللبنانيين والعرب والأجانب المشهورين صولات وجولات، ولا تزال أعمدة بعلبك شاهدة على مسرحيات الأخوين رحباني والصوت السماوي للسيدة فيروز، والآهات المتموجة مع كل أغنية من أغنيات سيدة الطرب أم كلثوم. ولن أنسى ما كانت تشهده مدرجات "بيسين" عاليه من امسيات طربية كان أبطالها الصبوحة وسميرة توفيق ونجاح سلام ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وفهد بلان وغيرهم من المطربين والفنانين اللبنانيين والعرب والأجانب كشارل ازنافور وميراي ماتيو وداليدا وديميس روسوس.

كنت في مقتبل العمر وكانت الأحلام كبيرة قبل أن يُصاب لبنان بـ "صيبة عين". وقبل أن تتحّول الليالي الملاح إلى ليال من نار وبارود وحقد وموت ودمار ورعب وخوف واضطراب.
ومنذ ذاك اليوم الأسود، الذي أعمى الحقد قلوب الكثيرين، لم يعد لبنان كما كان، وغاب عنه الأخوة العرب، وتُرك هذا البلد، الذي قيل عنه إنه "قطعة من الجنّة، و"أرزاتو عاجقين الكون"، و"نيال مين ألو مرقد عنزة بجبل لبنان"، لـ "للبوم والغربان"، فحّل الظلام مكان الأضواء المتلألئة، وانقطعت أوصال الوطن، وتقسّمت بيروت بين "غربية" و"شرقية"، ولم تعد تُسمع سوى أصوات القذائف والمتفجرات والرصاص الأعمى، الذي زرع السواد في معظم البيوت.

ولكن، وعلى رغم كل هذا الحقد والظلام والتآمر على لبنان وبيروت "ست الدنيا"، بقيت نبضات الحياة تشق طريقها نحو النور، وبقي الايمان بأن لبنان لن يموت، وبأن قيامته آتية لا محال، وأن أيام العز والبحبوحة والفرح والضحكات البريئة ستعود إلى بيروت، التي لن تموت، وإلى بلدات وقرى الاصطياف، وإلى المهرجانات العامرة، وإلى الـ "اوف" والميجانا" و"العتابا" و"أبو الزلف"، وإلى الدبكة، وصحن التبولة والكبة النية وكاس العرق.

لقد شهد لبنان في السنوات الأخيرة محاولات حثيثة لإعادة الحياة إلى سابق عهدها، وتسابق المغتربون على تمضية جزء من اجازاتهم الصيفية في ربوع وطنهم الأم، وكانت هذه المحاولات ناجحة بنسب معينة على رغم جائحة "الكورونا"، وعلى رغم الظروف الأمنية الصعبة، والأوضاع السياسية المقلقة، حيث كان الفراغ الرئاسي "سيد" الفراغات الأخرى.
أمّا اليوم، ومع بداية عهد جديد واعد، بدأ بتسجيل ناجح أولي عبر الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان، ومع قرار جريء من قِبل دولة الأمارات العربية المتحدة برفع حظر سفر رعاياها إلى لبنان على أثر الزيارة، التي قام بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لأبو ظبي، والتي أثمرت عن خطوة متقدمة كان لبنان ينتظرها منذ زمن بعيد، إضافة إلى قرار مماثل قد تتخذها دولة الكويت، التي سيزورها الرئيس عون الأحد المقبل، على أن تكرّ سبحة القرارات المماثلة، التي قد تتوج بما يمكن أن تقدم عليه المملكة العربية السعودية من خطوات رائدة في مجال إعادة المياه بينها وبين الشعب اللبناني إلى سابق صفائها ونقاوتها.

وعليه، فإن لبنان، الذي بدأ يستعد لموسم سياحي واصطيافي بامتياز، يعّول كثيرًا على اخوته العرب وعلى أبنائه المغتربين، لكي يبدأ مسيرة استعادة عافيته وحيويته وعزّه، فتعود إليه البسمة ويعمّ الفرح، ويعيد الدهر ما كان في لبنان.   
 
المصدر: خاص لبنان24
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

اندريه قصاص Andre Kassas