تشهد منطقة
الشرق الأوسط حراكًا أميركيًا غير مسبوق منذ تولي
الرئيس دونالد ترامب سدة الرئاسة مجددًا، ما يعكس تحولًا جذريًا في مقاربة
الولايات المتحدة لقضايا المنطقة. لم تعد
واشنطن تكتفي بالعمل من خلف الكواليس، بل باتت اليوم لاعبًا مباشرًا يتدخل في التفاصيل الكبرى والصغرى للصراعات، ويقود بنفسه دفة المفاوضات مع
القوى الإقليمية كافة.
زيارة
ترامب إلى المنطقة لا يمكن قراءتها كحدث عابر، بل تأتي كتتويج لاستراتيجية أميركية جديدة بدأت منذ بداية ولايته الحالية، تقوم على الانخراط المباشر مع مختلف أطراف النزاع. فقد فتحت الولايات المتحدة قنوات حوار مع الحوثيين في اليمن، كما تجري مفاوضات معلنة مع حركة
حماس، وتواصل مساعيها التفاوضية مع
إيران. وفي هذا السياق، لا يبدو مستبعدًا أن تبدأ واشنطن في مرحلة لاحقة اتصالات مباشرة مع "
حزب الله"، خصوصًا إذا اقتضت معادلة الاستقرار ذلك.
الهدف الأساسي من هذا الانخراط الأميركي الميداني هو تحقيق نتيجتين: أولًا، تأمين أمن طويل الأمد لإسرائيل في وجه التهديدات المتعددة؛ وثانيًا، ضمان حدّ أدنى من الاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة، بما يتيح للولايات المتحدة التفرغ لمواجهة التحدي الصيني الآخذ في التصاعد.
من اللافت أن
إدارة ترامب تعمل بنشاط واضح على إعادة ضبط الأوضاع في
سوريا. فقرار رفع
العقوبات عن النظام السوري الحالي خير دليل، وقد تكون محاولة احتواء الوضع وتفادي أي انفجارات أمنية جديدة في
دمشق تربك حسابات المنطقة ككل. هذا التوجه ينسجم مع المصلحة
الإسرائيلية في منع الفوضى على حدودها الشمالية، ومع الرؤية الروسية الهادفة إلى الحفاظ على الوضع القائم.
في ضوء كل ذلك، يمكن القول إن ترامب لا يسعى فقط إلى إدارة الأزمات، بل إلى إعادة صياغة التوازنات في المنطقة ضمن رؤية أميركية صريحة، تجعل من الأمن
الإسرائيلي والاستقرار الإقليمي أدوات لخدمة استراتيجية كبرى تركز على
آسيا.
ما يجري ليس مجرد سياسة طارئة، بل إعادة تموضع كاملة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وترامب، بوصفه الرئيس الحالي، يقود هذا التحول بخطوات محسوبة، ساعيًا لتسجيل إنجازات جيوسياسية تكرس حضوره الداخلي والخارجي على السواء.