حتى ساعات متأخرة من ليلة أمس، كانت النتائج الأولية للانتخابات البلدية في
مدينة زحلة تشير بوضوح إلى تصدّر"
القوات اللبنانية" السباق الانتخابي، بعد معركة انتخابية شرسة خاضتها ضد تحالف واسع من القوى والأحزاب، أبرزها
الكتائب والنائب ميشال
ضاهر. هذا التفوق لم يكن تفصيلاً عادياً، بل يحمل في طياته تحولاً جذرياً في المزاج الشعبي، وخصوصاً في البيئة
المسيحية.
فما حصل في
زحلة لا يمكن وضعه فقط في خانة الانتصار المحلي أو البلدي. فـ"القوات" كانت منذ سنوات في موقع التفوق الشعبي على
التيار الوطني الحر ومعظم الأحزاب المسيحية الأخرى. لكن، ما حدث في زحلة يشير إلى ما يشبه السونامي الشعبي: موجة اندفاع جماهيري حوّلت هذا التفوق إلى فوز فعلي ومكتمل الأركان. واللافت أن توصيف "السونامي" كان يمكن استخدامه حتى لو لم تفز القوات فعلياً بسبب الحشد السياسي ضدها، إذ ان الخسارة بفارق ضئيل كانت ستعد انتصارا قواتيا، فكيف الحال إذن وقد حققت فوزاً صريحاً في وجه تحالف واسع؟
هذه النتيجة، بمعناها الرمزي والسياسي، قد تشكّل نقطة تحول حاسمة في الواقع المسيحي عموماً، وليس فقط في قضاء زحلة. إذ يمكن القول إن القوات انتقلت الى مرحلة شعبية جديدة، قادرة من خلالها على حصد التأييد في معظم الأقضية المسيحية. ومن هنا، لا يمكن التقليل من تأثير هذه النتائج على تموضع الأحزاب المسيحية الأخرى، ولا على الخطاب السياسي داخل هذه البيئة.
في المقابل، وعلى ضفة مختلفة من المشهد اللبناني، جاء أداء
حزب الله في القرى والمدن
الشيعية ليؤكد المؤكد: الحزب لا يزال الممثل الأوسع والأقوى في الشارع
الشيعي. نسبة الاقتراع كانت مرتفعة جداً في
بعلبك والهرمل والبقاع
الغربي، بل وحتى في
البقاع الأوسط، وهو ما لم تشهده
الانتخابات البلدية السابقة، ولا حتى الانتخابات النيابية الأخيرة.
هذا الارتفاع الملحوظ في نسب التصويت يُقرأ كرد مباشر من البيئة الشيعية على الضغوط السياسية والإعلامية والمالية التي تتعرض لها، وهو ما قد يُترجم في الانتخابات النيابية المقبلة بنسبة تصويت غير مسبوقة، تعيد تثبيت الثقل الشعبي والسياسي للحزب وحلفائه.
بين زحلة والهرمل، تقف البلاد أمام مؤشرَين لا يمكن تجاهلهما: سونامي قواتي في الشارع المسيحي، وتماسك
شيعي مطلق خلف حزب الله. وهذان الاتجاهان سيحملان تبعات ثقيلة على المشهد السياسي اللبناني في المديين القريب والمتوسط، وقد يفتحان الباب أمام إعادة رسم التحالفات والاصطفافات في كل استحقاق جديد.