رغم الأزمات المتراكمة التي أنهكت مؤسساته واقتصاده، يخطو لبنان بثبات – وإن كان بخجل – نحو واحدة من أكثر الثورات التقنية تأثيراً في القرن الحادي والعشرين: الذكاء الاصطناعي. بلد مزّقته الأزمات السياسية والمالية، لكنه لا يزال يحتفظ بأهم عناصر النهوض: العقول الشابة، والطموح الذي لا ينكسر.
في تطور لافت، أكد مصدر اقتصادي لموقع "
لبنان24" أن القطاع الخاص في لبنان بدأ بالفعل بإدخال الذكاء الاصطناعي في أعماله بشكل متسارع، مدفوعاً بضرورة التأقلم مع التحولات التكنولوجية العالمية والبحث عن أدوات فعالة لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف. هذا التوجّه لم يعد ترفاً، بل بات ضرورة وجودية لأي نشاط اقتصادي يسعى إلى البقاء في السوق أو التوسع خارجها.
ومع هذا التحرك في القطاع الخاص، جاءت خطوة رسمية غير مسبوقة: للمرة الأولى في تاريخ لبنان، يتم تخصيص وزارة تُعنى بالذكاء الاصطناعي، في محاولة للّحاق بالطفرة العالمية التي يشهدها هذا القطاع. خطوة تحمل رمزية عالية، لكنها تبقى محدودة الأثر ما لم تُترجم إلى استراتيجية وطنية متكاملة تضع أسساً واضحة لبناء بنية تحتية رقمية وتشريعية تواكب التطور وتؤمن فرصاً عادلة للريادة والابتكار.
الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الأبحاث والتقنيات، بل يمكن أن يصبح رافعة حقيقية للاقتصاد الرقمي في لبنان. فهذه الصناعة قادرة على خلق فرص عمل جديدة، وتوليد قطاعات ناشئة، وتشجيع الاستثمار في الحلول الذكية التي تسهم في تحسين
الخدمات الحكومية والخاصة على حد سواء. غير أن هذا السيناريو الإيجابي يحتاج إلى ما هو أكثر من الإرادة: يحتاج إلى سياسة، وتمويل، وشراكات، وقبل كل شيء، رؤية بعيدة المدى.
لبنان لا يفتقر إلى الكفاءات. فالرأسمال
البشري اللبناني أثبت قدراته مراراً وتكراراً في الخارج. ومؤخراً، أحرز لبنان إنجازاً عربياً لافتاً، تمثّل في فوز الطلاب علي حميّة،
محمد ملحم، وجهاد
دياب من معهد
innovators academy بالمركز الثاني في مسابقة البرمجة ضمن فعاليات "الأولمبياد العربي للذكاء الاصطناعي 2025". تميز الفريق بمشروع برمجي متكامل عكس فهماً عميقاً لمفاهيم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، مما يدل على أن المواهب موجودة، لكنها بحاجة إلى احتضان ودعم مستدام.
لكن حين ننظر إلى الواقع من زاوية التقييمات العالمية، يتضح حجم التحدي. فوفق مؤشر "جهوزية الحكومة للذكاء الاصطناعي" الصادر عام 2023، حلّ لبنان في المرتبة 76 بين 193 دولة، والسابع بين 53 دولة من الشريحة الاقتصادية المتوسطة الدنيا، والتاسع عربياً. هذه الأرقام تضع لبنان في موقع متوسط، لكنه بعيد عن الريادة التي يطمح إليها.
في المحصلة، إن إدخال الذكاء الاصطناعي إلى قلب الاقتصاد اللبناني ليس مجرد خيار مستقبلي، بل هو ورقة الحاضر الوحيدة القابلة للربح، شرط أن تواكبها دولة تمتلك الجرأة على التخطيط لاجتراح حلول غير تقليدية. فبينما يركض العالم نحو مستقبل ذكي، على لبنان أن يقرر: هل سيكون جزءاً من هذه
الثورة، أم شاهداً عليها من الهامش؟