Advertisement

لبنان

في ذكرى التحرير … هل لا تزال المقاومة أولوية وطنية؟

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
25-05-2025 | 11:01
A-
A+
Doc-P-1365610-638837629390268361.png
Doc-P-1365610-638837629390268361.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
يُحيي لبنان في 25 أيار من كل عام ذكرى المقاومة والتحرير، وهو اليوم الذي انسحب فيه الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 من دون قيد أو شرط، وذلك بفعل المقاومة المسلحة التي غيّرت مسار المواجهة مع الاحتلال. وبعد مرور خمسة وعشرين عاماً على هذا الحدث الاستثنائي، بات يطرح اليوم سؤالًا جوهرياً: أين أصبح موقع المقاومة في أولويات الدولة والمجتمع، في ظلّ تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة؟
Advertisement

منذ السابع من تشرين الأول 2023، دخل لبنان عملياً في حالة اشتباك متقطّع مع إسرائيل على جبهة الجنوب، وذلك بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. وتؤكد مصادر عسكرية أن المقاومة قررت منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى فتح جبهة الجنوب، ضمن معادلة دعم محسوبة للقطاع تهدف إلى استنزاف العدو وتشتيت قواه، حيث التزمت العمليات في المرحلة الأولى بقواعد الاشتباك السابقة، واقتصرت على استهداف مواقع عسكرية محددة.

لكن، مع تصاعد العدوان الإسرائيلي وتوسّع نطاق الاستهداف ليشمل مناطق مدنية وعناصر من المقاومة داخل العمق اللبناني، اتّسعت دائرة الردود. ووفق ما تؤكده مصادر ميدانية، فقد تم تعديل قواعد الاشتباك تدريجياً بما يراعي تطورات الميدان من دون الانزلاق نحو مواجهة شاملة، وذلك ضمن استراتيجية الردع المتدرّج التي تراعي الحسابات الإقليمية والتوازنات الداخلية.

في هذه الفترة، تعرّضت المقاومة لضربات قاصمة، بلغت ذروتها باغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بغارة مباشرة وُصفت بأنها الأخطر في تاريخ "الحزب"، ما شكّل ضربة استراتيجية للقيادة العسكرية والسياسية في آن. وتزامن ذلك مع تصاعد الضغوط الدولية لإعادة تفعيل القرار 1701 كصيغة لضبط الجبهة الجنوبية، وسط تعويل رسمي وداخلي على ضمانات المجتمع الدولي. غير أنّ هذه الضمانات لم تثبت فعاليتها ميدانياً، إذ يواصل العدو الإسرائيلي عدوانه اليومي على مناطق لبنانية، مستهدفاً قرى مأهولة وبنى تحتية، من دون أن يُقابل ذلك بأي ضغط دولي ملموس.

بالموازاة، تواصل المقاومة اعتماد خيار الصبر الاستراتيجي وضبط النفس، انطلاقاً من حسابات دقيقة تتصل بتفادي الانجرار إلى مواجهة شاملة، والحفاظ على الاستقرار الداخلي ضمن حدود الممكن. غير أنّ هذا النهج يُقابَل في الداخل بدعوات سياسية متكررة لنزع السلاح، وكأن المشكلة تكمن في وسائل الردع لا في استمرار العدوان، ما يثير تساؤلات مشروعة حول منطق بعض الطروحات المحلية وحدود الرهان على مبادرات خارجية أثبتت عجزها عن حماية السيادة اللبنانية.

على مستوى الدولة، لا يزال الأداء الرسمي عند الحدّ الأدنى، ولا يعكس خطورة المرحلة التي يعيشها لبنان. فالعدوان الإسرائيلي المستمر، واستهدافه شبه اليومي للمدنيين والبنى التحتية في الجنوب، لم يُقابل حتى الآن بأي تحرّك استثنائي من رئاسة الحكومة، لا على الصعيد الدبلوماسي ولا على مستوى التعبئة السياسية. إذ لم تُبادر الحكومة إلى دعوة مجلس الوزراء لجلسات طارئة، ولم تُطرح أي خطة حماية مدنية أو سياسية، على عكس ما كان يُسجّل في مراحل سابقة، وتحديداً خلال ولاية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حيث شهدت البلاد آنذاك تحرّكات رسمية أكثر تنظيماً في إدارة الأزمة الأمنية والسيادية. أما اليوم فيقتصر التعامل مع التطورات على بيانات روتينية لا توازي حجم الانتهاك.

هذا الغياب لا يُفهم إلا بوصفه استهانة بسيادة لبنان وشعبه، لا سيما أن الجنوب كان وما زال جزءًا لا يتجزأ من الوطن، وأيّ استهداف له هو استهداف لكل لبنان. وفي هذا المناخ الرسمي الباهت، تعود بعض القوى السياسية إلى طرح ملف نزع سلاح المقاومة كأولوية، بدل أن تُركّز على معالجة أصل العدوان وآثاره. وهنا، لا يبدو النقاش نابعاً من مراجعة وطنية صادقة، بل من سياق سياسي يرمي إلى تفكيك عناصر القوة المتبقية، وتقديم المقاومة كعقبة لا كحاجز صدّ. 

في المقابل، تواصل بيئة المقاومة تمسّكها بالخيار الدفاعي، باعتباره ضرورة وجودية لا مجرد خيار عسكري. فالمؤشرات السياسية والميدانية، خصوصاً في المناطق المتضررة من العدوان، تؤكد أن الالتفاف الشعبي لم يتراجع، بل تعزّز في ظل تخلّي الدولة عن مسؤولياتها السيادية. 

بموازاة ذلك، تُسجّل مفارقة صارخة، إذ ترتفع من داخل البلاد أصوات لا تكتفي بتوجيه سهامها نحو المقاومة، بل تسعى إلى شطب يوم التحرير من الوعي الوطني، والدعوة الصريحة إلى إلغائه من لائحة الأعياد الرسمية. وكأن ما جرى في 25 أيار 2000 كان تفصيلاً هامشياً، لا حدثاً مفصلياً أنهى احتلالاً طويلاً وفرض على العدو الإسرائيلي انسحاباً مُهيناً. غير أنّ هذا التنكّر لا يُلغي حقيقة أن إسرائيل لم تتعافَ يوماً من تلك الهزيمة، وأن كل عدوان لاحق لم يكن إلا محاولة للثأر من اليوم الذي كُسرت فيه المعادلة. 

ومن هُنا، فإنّ محو هذا التاريخ من الذاكرة الجماعية لا يُسيء للمقاومة وحدها، بل يُهين دماء الشهداء، ويستهين بكل من قدّم حياته دفاعاً عن الأرض والكرامة. ومن يطالب بإلغاء يوم التحرير، يطالب ضمنياً بإلغاء الذاكرة، وإعادة كتابة التاريخ على مقاس الهزيمة. 

وعلى نفس الخط التصاعدي في الهجوم، يواصل خصوم المقاومة تحميلها مسؤولية الأزمات، وترويجها كعقبة أمام النهوض. غير أن هذا الطرح يتجاهل المعطى الأساسي والذي يترّكز حول أنه لم يسبق لأي مشروع بديل، اقتصادياً كان أم سياسياً، أن استطاع تحصين السيادة أو وقف الانهيار. وبالتالي فإنّ المشكلة ليست في فائض القوة، بل في غياب الإرادة الوطنية لتوظيف هذه القوة في بناء دولة حقيقية.

وفي ذكرى المقاومة والتحرير، تُعرض اليوم المقاومة التي أنهت الاحتلال وحمت السيادة كأداة نزاع، في حين أن البدائل المطروحة لم تحمِ الحدود، ولم تبنِ دولة. المقاومة لم تكن مشروعاً عسكرياً طارئاً، بل ضرورة فرضها الاحتلال، وشرّعتها التضحيات، وثبّتها التاريخ. لكنّ السؤال لم يعد اذا ما كانت المقاومة لا تزال أولوية وطنية، بل كيف يمكن بناء وطن بلا أدوات حماية، وبأي منطق تُمارَس السيادة حين تُنتزع القدرة على الدفاع؟
 
المصدر: لبنان24
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

ايناس كريمة Enass Karimeh

Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast