مع انتهاء المحطّة الأخيرة من الانتخابات البلدية في محافظتي الجنوب والنبطية، كان واضحًا أنّ "
الثنائي الشيعي" ممثَّلاً بـ"
حزب الله" و"
حركة أمل" خرج رابحًا، بعدما كرّس حضوره الشعبيّ، بل زعامته التي يبدو أنّها لم تتأثّر بالحملات التي أعقبت الحرب
الإسرائيلية الأخيرة على
لبنان، بل لعلّ هذه الحرب زادت "التصاق" بيئة "الثنائي" به، بدليل نسب الاقتراع التي جاءت أكثر من جيّدة، على الرغم من المخاطر والمخاوف.
فعلى امتداد المناطق الجنوبية، حقّقت لوائح "الثنائي" التي حملت عنوان "تنمية ووفاء" انتصارات شبه مُطلَقة، باستثناءات قليلة تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة، فرضتها "خصوصيّة" بعض القرى والمناطق، التي خاضت فيها العائلات "معركة" في مواجهة "الثنائي"، حتى إنّ الفارق في عدد الأصوات كان شاسعًا بين آخر الرابحين وأول الخاسرين في معظم القرى، وقد وصل مثلاً إلى نحو ستة آلاف في صور، وأربعة آلاف في النبطية.
وإذا كان "الثنائي" نجح في "تسييس" الاستحقاق البلدي، بعدما حوّله إلى "استفتاء" على خيار
المقاومة، في ظلّ الضغوط التي تتعرّض لها منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، فإنّ هناك من يرى أنّه "دحض" أيضًا البروباغندا التي ألمحت إلى أنّ شعبيّته تراجعت بعد هذه الحرب، وخصوصًا بعد الخسائر القاسية التي مني بها، ومنها اغتيال
السيد حسن نصر الله الذي كان قادرًا على تحفيز الناس بكلمة واحد، فكيف خرج رابحًا رغم كلّ ذلك؟!
"تكتيكات الثنائي"
يعزو البعض النجاح الذي حقّقه ثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" في الانتخابات البلدية، خصوصًا في محطّتها الأخيرة في الجنوب والنبطية، بعد "بروفا" في
بيروت والبقاع، إلى "التكتيكات" التي اعتمدها منذ اليوم الأول لبدء التحضيرات لهذه الانتخابات، فهو لم يضع نفسه في "مواجهة" العائلات إلا في حالات نادرة، بل فتح أبواب التفاهم مع سائر القوى والأطراف، حتى تلك التي كان يتنافس معها، وهو ما أثمر "تزكية" في 40% من البلدات والقرى قبل اليوم الانتخابيّ.
في "التكتيكات" أيضًا، يتحدّث العارفون عن نجاح "حزب الله" في "تسييس" المعركة البلدية، بعيدًا عن طابعها الإنمائي والعائلي المفترض، وتحويلها إلى "استفتاء" على المقاومة، مستفيدًا من اللحظة السياسيّة التي جعلت الناس تلتفّ حول "حزب الله" أكثر من أيّ وقت مضى، في ظلّ انطباعٍ بأنّ هناك مخططًا يُحاك ضدّ مفهوم المقاومة في المنطقة ككلّ، وشعور لدى كثيرين حتى من غير المؤيّدين تاريخيًا للحزب، بأنّ الطائفة
الشيعية برمّتها أضحت مُستهدَفة.
ويتحدّث هؤلاء عن مؤشّرات عدّة تعزّز هذا الانطباع، من بينها مثلاً أنّ اللوائح المضادة التي خاضت المعركة في وجه "الثنائي" في الكثير من القرى والبلدات، سجّلت أرقامًا "متواضعة جدًا"، لا يكفي الحديث عن "معركة غير متكافئة" ولا حتى عن "انعدام الإمكانيات" لتبريرها، علمًا أنّ مقارنة بين الأرقام التي حقّقها بعض المرشحين في العام 2016 وتلك التي حقّقوها اليوم، لا تبدو لصالحهم، بل تؤكد أنّ نسبة تأييد "الثنائي" هي التي ارتفعت.
خلاصات واستنتاجات
ثمّة من يعتبر أنّ تأييد "الثنائي" يندرج في سياق أوسع أفرزته الانتخابات البلدية في مختلف المحافظات، لجهة تكريس نفوذ الأحزاب والقوى التقليدية، على حساب تلك التي ترفع شعار "التغيير"، وهو ما تجلّى بشكل خاص في بيروت، حيث حقّقت "بيروت مدينتي" مثلاً تراجعًا قياسيًا، وحتى في المناطق
المسيحية، كزحلة التي حقّقت فيها "
القوات اللبنانية" ما وُصِف بـ"التسونامي"، وفي جزين حيث استرجع "
التيار الوطني الحر" حيثيّته.
وثمّة من يعتبر أيضًا أنّ المتغيّرات التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة لعبت دورًا أساسيًا في هذه النتيجة، سواء لجهة التصاق الناس أكثر بالمقاومة، في مواجهة ما تتعرض له من ضغوط وحصار، ولكن أيضًا لاعتقاد الكثير من الناس، أنّ بقاء "الثنائي" على رأس السلطة المحلية أساسيّ، لمواكبة مرحلة إعادة الإعمار، خصوصًا في ضوء مخاوف وهواجس لديهم من "تهميش" مناطقهم، بدليل "البطء الشديد" في التعامل مع الملف.
لكن، بمعزل عن كلّ الدوافع، يتحدّث العارفون عن جملة من الخلاصات والاستنتاجات لا يمكن تجاهلها لدى قراءة نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية، خصوصًا في الجنوب، أولها أنّ "الثنائي" لا يزال في الصدارة، رغم كلّ الحملات، وأنّ كلّ الحديث عن التراجع في شعبيته ليس أكثر من "وهم"، وثانيها أنّه كرّس أيضًا تحالفه "الاستراتيجي" في هذه المرحلة الحسّاسة، ما شكّل أيضًا ردًا ضمنيًا على كلّ ما يُحكى عن "تباعد" بدأ يظهر في مرحلة ما بعد الحرب.
لا شكّ أنّ انتخابات الجنوب والنبطية، اكتسبت "رمزية استثنائية" منذ اليوم الأول للاستحقاق، في ظلّ التحديات التي أحاطت بها، لوجستيًا وسياسيًا وأمنيًا، وقد دخلت
إسرائيل على خطّها قبيل الصمت الانتخابي بقصف بدا أنّ هدفه "التشويش" على العملية
الانتخابية. لكن لا شكّ أيضًا أنّ "الثنائي" خرج من هذه العملية رابحًا، وقد حقّق الأهداف التي وضعها نصب عينيه، ليبقى السؤال عن إمكانية "توظيف" هذه النتيجة في السياسة، التي تبدو "صاخبة" هذه الأيام..