بالرغم من التحولات السياسية الإقليمية التي كان من المفترض أن تصبّ في مصلحة "
القوات اللبنانية" والفريق السياسي المتحالفة معه، إلا أن الواقع السياسي للقوات يبدو أكثر وتعقيدًا مما كان متوقعًا. فالحزب الذي لطالما قدم نفسه كرافعة للمشروع السيادي في
لبنان، يواجه اليوم تحديات داخلية وخارجية تهدد بتآكل صورته وقدرته على توسيع نفوذه في المرحلة المقبلة.
أول هذه التحديات هو الفشل في تقديم نموذج مختلف في
إدارة الدولة. فالقوات، التي دخلت الحكومة الحالية تحت شعار الإصلاح وبناء المؤسسات، لم تتمكن من تحقيق إنجاز ملموس يمكن استخدامه لإدانة خصومها أو تظهير فشلهم. بل على العكس من ذلك ، فقد ذابت في لعبة النظام التقليدية، وأصبحت جزءًا من منطق التسويات المرحلية، ما أدى إلى اهتزاز صورتها كقوة تغيير داخل الدولة. هذا الفشل أضعف قدرتها على مخاطبة جمهور جديد، واسع، كان يتطلع إلى بديل فعلي للطبقة السياسية.
أما التحدي الثاني، فهو غياب الإنجازات السياسية في مواجهة
حزب الله، خصوصًا في واحدة من أكثر المراحل حساسية وضعفًا مرّ بها الحزب، نتيجة الحرب الاخيرة، وتبدّل المزاج العربي والدولي تجاهه. كان يُفترض أن تستثمر القوات هذه اللحظة التاريخية لتقليص نفوذ الحزب أو على الأقل تعزيز موقعها في المعادلة السياسية، إلا أن أداءها ظلّ تقليديًا ومترددًا، قائمًا على الخطاب والمواقف من دون ترجمة عملية على الأرض.
ومع اقتراب الانتخابات النيابية المقبلة، يواجه الحزب تحديًا كبيرا يتعلق بإعادة تثبيت موقعه كأقوى تمثيل
مسيحي، وهو أمر غير مضمون. فنجاحاته في
الانتخابات البلدية الأخيرة، وإن كانت لافتة، إلا أنها ارتكزت إلى تحالفات محلية واسعة النطاق، يصعب تكرارها في الانتخابات النيابية ذات الطابع السياسي الواضح. كما أن هذه النجاحات لا تعكس بالضرورة تمدداً فعليًا للقاعدة الشعبية، بقدر ما تعكس مرونة تكتيكية وتوظيفًا جيدًا للخصومات المحلية.
في ظل هذا المشهد، تبدو القوات
اللبنانية أمام مفترق حقيقي: إما أن تجدد أدواتها وتراجع خطابها وتبحث عن روافع جديدة داخل البيئة
المسيحية والسيادية، أو أن تدخل مرحلة من الانكماش السياسي التدريجي، حيث تصبح رقماً عادياً في معادلة أكبر منها، بعدما كانت تراهن على لعب دور محوري.