شهد المعهد العالي لإدارة الأعمال (ESA) جلسة ختامية لعرض نتائج مشروع مشترك بين المؤسسة
اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، سفارة النرويج، ومعهد المال والحوكمة، تمحورت حول تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إصلاح المالية العامة، التحول الرقمي، والعدالة الضريبية، بمشاركة عدد من النواب والخبراء والدبلوماسيين.
افتُتحت الجلسة بكلمة من
الأمين العام لمعهد المال والحوكمة هادي الأسعد، الذي شدّد على أن الأزمة التي يعيشها
لبنان تتجاوز الجانب المالي، لتلامس الخلل البنيوي في الحوكمة. واعتبر أن الشراكة بين القطاعين باتت ضرورة، داعيًا إلى إطار قانوني ومؤسساتي مستقر يُراعي الشفافية والحوكمة وتوزيع المخاطر.
كما طرح الأسعد توصيات تقنية لإصلاح المالية العامة أبرزها: ضبط النفقات، إعادة هيكلة الدين العام، وتطبيق موازنات متعددة السنوات مبنية على الأداء، إضافة إلى تعزيز دور
وزارة المالية وتحديث النظام الضريبي والتحول الرقمي كأداة إصلاحية لا تقنية فحسب.
من جهته، رأى البروفسور أنطوان مسرة أن لبنان يفتقر لتطبيق فعلي للإصلاحات منذ عقود، لافتًا إلى عجز الدولة عن أداء وظائفها السيادية. واعتبر أن القوانين تُستخدم سياسيًا بدل أن تُطبق، داعيًا إلى ربط أي تشريع بدراسات جدوى ملزمة، واستعادة سمو
الدستور كمقدمة لأي تحول إصلاحي.
بدورها، عبّرت سفيرة النرويج في لبنان هيلدي هارالدستاد عن اعتزاز بلادها بدعم هذا المشروع، مشددة على أهمية التوقيت مع وجود حكومة جديدة وفرصة لإعادة الثقة من خلال إصلاحات ملموسة، وقالت: "لبنان بلد عظيم وهذه المرحلة مليئة بالفرص".
وعرض رئيس لجنة
الشؤون الخارجية والمغتربين النائب فادي علامة مقترحات لتفعيل الشراكات، أبرزها ضمان تنافسية العطاءات، والرقابة
البرلمانية، وتفعيل
المجلس الأعلى للخصخصة. واعتبر أن الهوية الرقمية ضرورية للقضاء على الفساد الإداري، فيما اقترح ضريبة رقمية على الشركات العالمية العاملة في لبنان لجني نحو 200 مليون دولار سنويًا.
أما رئيس لجنة الاقتصاد النائب فريد البستاني، فطالب بإصلاحات جذرية لا شعارات، مؤكّدًا أن الشراكة والتحول الرقمي ليسا مشاريع تقنية بل أساس لبناء دولة حديثة. وانتقد تأخر الموازنات وغياب التخطيط المالي، داعيًا إلى اعتماد موازنات مبنية على الأداء وإنشاء وزارة تخطيط وطنية. وشدد على ضرورة إصلاح النظام الضريبي بما يضمن العدالة ويعيد الثقة بين الدولة والمواطن.
من جهته، شدد
وزير الاقتصاد والتجارة عامر بساط، في مداخلة بعنوان "أولويات النهوض الاقتصادي في لبنان"، على أن "الاقتصاد اللبناني لا يمكن أن ينهض من دون دور محوري للقطاع الخاص"، مشيراً إلى أن "التحدي الأساسي يكمن في خفض كلفة ممارسة الأعمال، لا سيما في مجالات الكهرباء والنقل والخدمات الأساسية".
ودعا بساط إلى إعداد استراتيجية وطنية متكاملة لتعزيز التنافسية، تشارك فيها جميع الوزارات، مؤكداً أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يجب أن تُقارب كأداة عملية لتمكين الاقتصاد المنتج، لا كشعار فقط، منتقداً ضعف العلاقة الحالية بين الجانبين.
وفي ما خصّ إدارة الأصول العامة، رأى أن الطروحات حول الصناديق السيادية غير كافية، داعياً إلى "تشريكات" الأصول العامة، أي تحويلها إلى مؤسسات قائمة على الحوكمة تسمح بمشاركة القطاع الخاص من دون التخلي عن الملكية العامة، مع مراعاة خصوصية كل قطاع.
أما على الصعيد الإداري، فاعتبر بساط أن الإطار القانوني في لبنان "مليء بالتعقيدات"، مشدداً على ضرورة تبسيط الإجراءات وربطها بالتحوّل الرقمي، الذي وصفه بـ"الضرورة الوطنية لاستعادة ثقة المواطنين وتحسين فاعلية الإدارة ومحاربة الفساد". وختم بالتأكيد أن استعادة ثقة المواطنين هي المدخل لأي إصلاح حقيقي.