كتب لوسيان شهوان في" النهار": منذ منتصف الستينيات، بدأ السلاح الفلسطيني غير الشرعي يتمدّد داخل الأراضي
اللبنانية، وكان ذلك أحد أبرز مظاهر تآكل هيبة الدولة. وقد تمكّن هذا السلاح من إضفاء شرعية على نفسه عبر اتفاق
القاهرة عام 1969، الذي فُرض على
لبنان بضغط من
الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فوُضعت الشرعية اللبنانية آنذاك أمام معضلتين: الأولى، القبول بتشريع العمل "الفدائي" من لبنان. والثانية، الانزلاق نحو مواجهة عسكرية مباشرة مع المسلحين
الفلسطينيين.
لكن توقيع اتفاق القاهرة لم يُفلح في منع اندلاع المواجهات العسكرية بين معارضين للنشاط الفلسطيني المسلح ومؤيدين له من فصائل فلسطينية، ومرتزقة، ولبنانيين انحازوا إلى "الكفاح المسلح". تخلي الدولة عن سيادتها لم يُجنبها الحرب، بل عجّل في اندلاعها.
اليوم، في زمن تحاول فيه
الدولة اللبنانية استعادة سيادتها وسط تحولات إقليمية كبرى، يُعاد طرح ملف السلاح الفلسطيني، ولا سيما أن هذا السلاح كان يُفترض أن ينتهي منذ عام 1987، حين ألغى مجلس النواب اللبناني اتفاق القاهرة رسميًا.
لقد تحوّل السلاح الفلسطيني، داخل المخيمات وخارجها، إلى ورقة ضغط استُخدمت أولاً في الداخل، وثانيًا ضد
إسرائيل، قبل أن تفقد الأخيرة أي شعور بتهديده بعد خروج
منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عقب الاجتياح
الإسرائيلي عام 1982. ومنذ انتهاء الحرب اللبنانية في عام 1990، حافظ هذا السلاح على وظيفته، أولًا تحت الرعاية
السورية، ولاحقًا برعاية "ممانعاتية" بدأت تتبلور تدريجيًا بعد انسحاب إسرائيل عام 2000.
الإرادة السياسية الجدية لإنهاء هذا الملف لم تكن موجودة في العقود الماضية، رغم التوافق شبه الكامل خلال جلسات الحوار الوطني عام 2006 على سحب هذا السلاح. غير أن التوافق بقي حبيس المحاضر، ولم يُترجم على الأرض بفعل تعنت فريق الممانعة الذي فرض خطوطًا حمراء حول هذا الملف.
اليوم، الدولة اللبنانية أمام تحدٍّ، ويجب ألا تترك الملف في دوامة التسويف، لأن الفرصة الدولية المتاحة لمساعدتها على بسط سيادتها ربما لا تتكرّر. فالدولة التي لا تحتكر السلاح لا يمكن أن تُبنى، ولا يمكنها المطالبة بدعم خارجي.
اليوم، فالوضع مختلف تمامًا، لأن صاحب المبادرة هذه المرة هو الدولة التي تقوم بخطوة سيادية تُعد شرطًا بديهيًا لأي مشروع نهوض وطني. هذه الخطوة ستتحقق عاجلاً أم آجلاً، ولكن يجب أن تتحقق فورًا، تفاديًا لخسارة الفرص.