في تطوّر لافت لمسار المواجهة المفتوحة بين
إيران وإسرائيل، تمكنت
إسرائيل من توجيه ضربة جدية لإيران، وصفت بأنها من الأوسع نطاقًا منذ بداية التصعيد الأخير في المنطقة. الضربة شلّت بعض
أنظمة الدفاع الجوي وأصابت مواقع عسكرية ذات طابع استراتيجي، واغتالت قيادات عسكرية رفيعة، في محاولة واضحة لإرباك القيادة
الإيرانية وفرض وقائع جديدة على الأرض قبل الذهاب إلى أي طاولة مفاوضات.
لكن الرد
الإيراني لم يتأخر، بل جاء موازيًا للهجوم، من حيث الحجم والدقة والتأثير. فقد استهدفت القوات الإيرانية عمق اسرائيل، وصولًا إلى
تل أبيب، في هجمات مكثفة ومتكررة أربكت المنظومة الدفاعية للعدو، وأظهرت قدرة
إيران على امتصاص الضربة والتعامل معها من دون أن تتراجع عن موقعها الهجومي.
الأهم من كل ذلك، هو ما حصل خلال الساعات التالية للهجوم
الإسرائيلي. ففي وقت قياسي لم يتجاوز ثماني ساعات، تمكنت
طهران من معالجة الخلل الذي أصاب منظومتها الدفاعية، عبر إعادة توزيع الرادارات، وتفعيل وحدات رديفة، وتحديث بروتوكولات الإطلاق والاعتراض، ما يعني أن محاولة استهداف العمق الإيراني أصبحت أصعب بكثير مما كانت عليه في الموجة الأولى.
هذا التوازن العسكري الجديد يُدخل الصراع في مرحلة حساسة، لا تُحسم فيها المعركة بنتيجة ضربة واحدة، بل بالقدرة على الاستمرار. وهنا، يصبح عامل الوقت هو العامل الحاسم. فإذا استمرت إيران في الحفاظ على زخمها الهجومي الحالي، وواصلت القصف اليومي لتل أبيب بهذه الكثافة، فإن صمود إسرائيل سيكون موضع اختبار حقيقي، خصوصًا مع ازدياد الضغط الداخلي والقلق الدولي من الانزلاق نحو حرب مفتوحة وشاملة.
وعليه، فإن إسرائيل تبدو أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التصعيد المستمر على أمل إحداث أضرار كبرى داخل إيران تقلب موازين القوى، أو الذهاب إلى تسوية سريعة تحفظ ماء الوجه بعد استنفاد
القدرة على التحمل. منطق الميدان يشير إلى أن طهران استطاعت تجاوز الموجة الأولى من الهجوم، والانتقال إلى وضع دفاعي أكثر صلابة وهجوم أكثر فاعلية، وهو ما قد يجعل من أي ضربة جديدة غير مضمونة النتائج.
المرحلة المقبلة لن تكون فقط عسكرية، بل سياسية بامتياز، ومن ينجح في ادارة التفاوض سيكون هو المنتصر.