طغت تطورات الحرب
الإيرانية –
الإسرائيلية على المشهد الداخلي وحجبت تداعياتها المحتملة على المنطقة ولبنان الأضواء من رزمة الملفات المحلية التي تراجعت الى آخر سلم الأولويات لصالح الاهتمام بحماية الاستقرار في
لبنان والحؤول دون وصول نار الحرب إليها.
وحضرت مستجدّات المنطقة في جلسة مطوّلة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا، حيث تم التشديد على ضرورة عدم إقحام لبنان في الصراع العسكري.
وفي هذا السياق كتبت" الاخبار":بقيت المخاوف قائمة، مع علم الجميع أن الحرب ضد إيران تهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة وتوازناتها بما يتناسب ومصالح العدو.
وتوالت النصائح على لبنان، في حال طالت الحرب، على شكل رسائل تكفّل عون بنقلها إلى
حزب الله عبر قائد الجيش رودولف هيكل، وأبلغها إلى عدد من الأطراف، وأهمها تلكَ التي أتت من
الولايات المتحدة بضرورة البقاء على الحياد محذّرة من «ثمن كبير» للتورط. لكنّ الاهتمام الأكبر جاء من الأوروبيين، وتحديداً الفرنسيين الذين حاولوا تقصّي موقف الحزب وكيف يواكب لبنان هذه التطورات وكيف سيتعامل معها.
وجاء في النصيحة
الفرنسية أن «دخول لبنان هذه الحرب سيؤدي إلى ردّ فعل إسرائيلي كبير، وأن أحداً لا يمكنه تقديم ضمانات بمنع ذلك»، بينما كرّر حزب الله أنه «حالياً غير معنيّ، وإيران لا تريد أي مساعدة، وهي قادرة على الدفاع عن نفسها، وقد استعادت ثقتها بنفسها بعد الضربة الأولى وتبادر يومياً إلى ردع العدو».
وقالت مصادر مطّلعة إن «السفراء العرب لم يسجّلوا أي حركة لافتة داخلية، خصوصاً سفراء اللجنة الخماسية، ولم تصِل إلى
بيروت رسائل من موفدين عرب أو مسؤولين سياسيين أو أمنيين، إذ يبدو أن تركيز هؤلاء منصبّ على تداعيات الحرب على دولهم».
في المقلب الآخر، بقي سيناريو توسيع
إسرائيل الحرب في اتجاه جبهة لبنان حاضراً بقوة، بالتزامن مع معلومات وتقارير عن تحشيد العدو لقواته على الحدود الجنوبية، وهو أمر نوقش في اجتماعات أمنية وفي جلسة الحكومة أمس، حيث شدّد رئيس الحكومة نواف سلام على «ضرورة الحؤول دون توريط لبنان بأيّ شكلٍ في الحرب الدائرة حالياً»، معتبراً أنّ «ما قد يترتّب على ذلك من تداعيات لا علاقة للبنان بها ويجب تجنّبُه حفاظاً على استقرار البلاد».
وفي موازاة الاتصالات مع حزب الله، تحرّكت مروحة الاتصالات أيضاً في اتجاه الساحة
الفلسطينية لـ«ضبط أداء الفصائل ومنعها من استخدام لبنان منصة لإطلاق الصواريخ»، كما قالت مصادر أمنية. وعلمت «الأخبار» أن عون كلّف المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير بهذه المهمة، وإبلاغ من يعنيهم الأمر بأن لبنان «لن يتهاون مع من يحاول استغلال الحرب بين إيران وإسرائيل لتسجيل مواقف عشوائية».
وفي السياق، تنتظر بيروت وصول السفير الأميركي لدى تركيا، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى
سوريا، توماس باراك إلى بيروت في الساعات المقبلة. وعلمت «الأخبار» أن باراك سيبدأ مباحثاته بعد غدٍ الخميس، إلا أن مضمون الزيارة لا يزال مجهولاً، خصوصاً أنها كانت مقرّرة قبل التصعيد في المنطقة.
وأفادت مراسلة "النهار" في باريس رندة تقي الدين، أن لدى باريس مخاوف من أن تطول الحرب الإسرائيلية على إيران وأن يكون لها عواقب على لبنان. فالتحليل الفرنسي السائد حالياً هو أن حلفاء إيران في لبنان لن يتحركوا الآن لأن قدرتهم لا تسمح لهم بذلك، لكن كلما طالت الحرب ازداد هذا الخطر. لذا اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره اللبناني جوزف عون ليؤكد له ضرورة القيام بما يجب فعله لضبط الأوضاع الأمنية ومنع أي ردة فعل على الأرض. وترى باريس أن الجميع يريدون تجنّب مثل هذا الاحتمال. واستناداً إلى هذا التحليل فثمة اختبار حقيقي للرئيس عون، لأنه في السابق لم يكن هناك رئيس عندما فعل "حزب الله" ما يشاء، أما الآن، فهناك رئيس وحكومة ويعني ذلك أنها مسألة صدقية لهم. وباريس ترى ضرورة نزع سلاح "حزب الله" لكن بالحوار والتشاور.
أما عن التجديد لليونيفيل، فهناك بعثة أميركية تزور لبنان حالياً، ومن المتوقع أن تتبعها بعثة فرنسية الأسبوع المقبل للنظر في الوضع قبل أن يتم التجديد للقوة في مجلس الأمن في نهاية آب. فالإدارة الأميركية تريد مهمة صلبة وتحرّك أقوى والمحادثات حول ذلك لم تبدأ بعد، لكن هناك احتمال إذا لم تحصل الإدارة الأميركية على ما تريده لهذه القوة أن تضع فيتو على قرار مجلس الأمن ولو أنه حتى الآن ليس هناك أي مؤشر على ذلك. أما بالنسبة إلى بقاء إسرائيل في التلال الخمس، فإن باريس تطالب باستمرار الإسرائيليين بالانسحاب منها، والجنرال الفرنسي العضو في لجنة وقف إطلاق النار يزور إسرائيل باستمرار للسعي إلى اقناعها بضرورة الأنسحاب.
أما عن زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان إلى بيروت، فكانت لحثّ الحكومة والأحزاب على ضرورة التقدم في الإصلاحات، إذ أن الانطباع أن الأوضاع بطيئة جداً. وأفهم لودريان محاوريه مدى أهمية إصلاح القطاع المصرفي بالنسبة لإعادة الإعمار والمساعدات. فقراءة باريس أن المصارف لا تريد التقدم في إصلاح القطاع رغم أنها تدّعي بأنها ستقوم بذلك، لكن لم يتم شيء حتى الآن والمجتمع المدني يكتفي بالقول إن الحكومة بطيئة جداً في الإصلاحات، لكن باريس ترى أن المجتمع المدني أيضاً لا يتحرك للضغط بشأن الدفع إلى التقدم على صعيد الإصلاحات. انطباع باريس أن أصحاب المصارف لا يريدون القيام بالإصلاح المطلوب، علماً انهم يَعِدون بأنهم سينفذون الإصلاحات المطلوبة لكنهم لا يفعلون.
اضافت" النهار":شكل إعلان كل من الرئيسين جوزف عون ونواف سلام عن موقف الدولة الحاسم بإبعاد لبنان عن الصراعات والحؤول دون توريطه بأي شكل في الحرب، تطوراً مهماً وبارزاً لجهة تثبيت جدية وصدقية الالتزامات المقطوعة حيال آحادية قرار الدولة في السلم والحرب واحتكارها للسلاح. ونظر إلى الموقف الرسمي الذي أعلنه رئيسا الجمهورية ومجلس الوزراء من جلسة رسمية لمجلس الوزراء على أنه مؤشر مشجع على تفهّم المحاذير التي تحوط بلبنان، لجهة رصد ما إذا كان "حزب الله" سيتورط في الرد على الهجمات الإسرائيلية المتدحرجة على إيران وما يمكن أن يكون العهد والحكومة قد قاما بها استباقياً مع الحزب للحؤول دون أخطر ما يمكن أن يتعرض له لبنان في حال التورط. وإذ تحدثت معلومات عن استمرار حصول اتصالات وتبادل معطيات ومواقف مشجعة بين أركان السلطة و"حزب الله" في الأيام الأخيرة، نُقل عن مراجع رسمية اطمئنانها إلى وجود مناخ مختلف تماماً عن السابق في شأن احتواء المرحلة التصعيدية الحالية في المنطقة، وأن ثمة وعياً جماعياً لوجوب تمرير العاصفة على لبنان بأقل الأكلاف ولا سيما منها الأمنية، إذ يكفي لبنان المخاوف من الأكلاف الاقتصادية وتهديد موسم الصيف، وهي أخطار ليس بيد لبنان وقدرته أن يردها إذا طالت الحرب وتمادت تداعياتها في كل المنطقة.