كتب طوني عيسى في "الجمهورية":
هي لعبة "البيضة أولاً أم الدجاجة؟"، وإذا لم يحصل برّاك على ردّ لبناني يستجيب للتوقعات الأميركية، أي يتضمن "خطة عمل" واضحة وفعّالة لنزع السلاح، أو على الأقل خطوة ملموسة في هذا الاتجاه، فالأرجح أنّ
لبنان سيشهد سيناريو صعباً يبدأ بالتكشف على مراحل. في المرحلة الأولى، قد يتمّ تحريك العصا
الإسرائيلية في شكل أعنف. وفي غالب الأحيان، تقوم
الولايات المتحدة وإسرائيل بتقاسم الأدوار في
الشرق الأوسط: الأميركيون يقدّمون الجزرة، فيما العصا إسرائيلية. وفي الحرب الأخيرة على
إيران، كانت
إسرائيل تصرّ على رفع حدّة الضربات إلى المستوى الأقصى، بينما كانت إدارة
ترامب تبعث برسائل مفادها "تعالوا إلى اتفاق".
وفي لبنان أيضاً، قد تطلق
واشنطن يد إسرائيل لتنفيذ ضربات تتوغل فيها عميقاً في لبنان، فتستهدف البنى التحتية العسكرية كمخازن السلاح ومواقع إطلاق الصواريخ والأنفاق ومواقع التدريب، إضافة إلى شبكات الدعم اللوجستي كطرق الإمداد ومستودعات الوقود ومراكز تجميع المعدات، وطبعاً قيادات "الحزب"، وستزيد الضغط على بيئته الحاضنة، بهدف إضعافه ودفعه إلى تقديم التنازلات. في المرحلة الثانية، ستظهر الجزرة الأميركية في شكل أوضح. فوسط الضربات المتصاعدة، ستدير واشنطن محركات الوساطة. وهذه الجزرة قد تتضمن:
1- وقف الضربات الإسرائيلية، مقابل خطوات عملية من الجانب اللبناني في ملف السلاح.
2- ربط المساعدات المالية وبرامج إعادة الإعمار بملف السلاح.
3- إغراء لبنان بتدعيم مكانته الديبلوماسية في المجتمعين العربي والدولي، إذا قدّم التنازلات.
4- تحريك ملف استكشاف الغاز الذي يمكن أن يوفر للبنان مكاسب اقتصادية وسيادية.
في المرحلة الثالثة، وفق ما يتوقع البعض، سيصبح الاتفاق أمراً واقعاً نتيجة الضغوط العسكرية والاقتصادية، تماماً كما هو متوقع مع إيران. وهذا الاتفاق لن يكون ثمرة تفاوض من الند إلى الند، بل سيعكس الاختلال الفاضح في توازنات القوة.
وثمة من يعتقد أنّ المطالب الأميركية لن تنحصر بنزع السلاح، وقد تمتد إلى تغيير دور "الحزب" في السلطة وتقليص نفوذه السياسي، وإنهاء ارتباطه بإيران وفرض رقابة دولية على الحدود والموانئ والمطارات لضمان عدم تدفق الأسلحة إليه مجدداً.
في هذه الحال، ستقع الدولة
اللبنانية بين المطرقة والسندان، فهي إذا أظهرت تعاطفاً مع "الحزب" أو عجزت عن اتخاذ خطوات جدّية، فإنّ
العقوبات ستشملها أيضاً، فيجري تجميد المساعدات الحيوية أو تقليصها، سواء للجيش أو للمؤسسات المدنية، وتشديد العقوبات على المصارف والقطاعات الاقتصادية، ويتعرّض لبنان لمزيد من العزل الديبلوماسي والتهديد لمكانته السيادية، في اعتباره دولة عاجزة عن بسط سيادتها على أرضها.
ثمة ديبلوماسيون يتوقعون أن يؤدي هذا السيناريو إلى إحداث زلزال في لبنان، لكن آخرين يرون أنّ نجاحه ليس مضموناً. فبينما تراهن الولايات المتحدة وإسرائيل على أنّ الضغط الشديد سيدفع "الحزب" إلى التنازل، فالبعض يرى أنّ تاريخه ونهجه العقائدي يظهران مرونة في التكتيك يقابلها تصلّب في مواقع الدفاع الأساسية.
ولذلك، وفي أي حال، لن تكون زيارة برّاك لبيروت عادية، بل هي لحظة محورية قد تترك بصماتها على المشهد اللبناني، وستكشف مدى إصرار
الأميركيين والإسرائيليين على تغيير معادلة القوة في الشرق الأوسط.