Advertisement

لبنان

الردّ اللبناني حُسم.. والكرة في ملعب واشنطن

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
08-07-2025 | 03:00
A-
A+
Doc-P-1388318-638875616353844273.JPG
Doc-P-1388318-638875616353844273.JPG photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
ما بين التصريحات الإيجابية للمبعوث الأميركي توماس براك، ورد الفعل اللبناني الموحّد، يمكن القول إن المسار التفاوضي دخل فعلياً مرحلة الاختبار، من دون أن يلغي ذلك احتمالات التصعيد أو الالتفاف على جوهر المبادرة. فالمبعوث الأميركي، عبّر عن امتنانه للرد اللبناني الذي وصفه بـ"الُمرضي"، مشيراً إلى نية بالعمل المشترك مستقبلاً، مع تلميح إلى العودة إلى بيروت قبل نهاية تموز حاملاً معه الرد الأميركي على ما قدّمه لبنان.
Advertisement

غير أن السياق الذي يجري فيه هذا التفاعل لا يخلو من عناصر القلق والتوجّس، خصوصاً أن تجربة التفاوض مع الأميركيين ليست جديدة على اللبنانيين، ولا تُمحى من الذاكرة بسهولة محاولات سابقة تمّ فيها استخدام الحوار كغطاء لتثبيت وقائع ميدانية أو سياسية لا تعكس نوايا تسوية حقيقية. وبالتالي فإنّ إشارات التفهّم الأميركية المتقدّمة لا تحجب إمكان أن تكون جزءاً من إدارة تفاوضية مرنة بالشكل، وحادّة في المضمون.

مصادر مطّلعة ترى أن الورقة اللبنانية التي سُلّمت إلى الجانب الأميركي حملت الحد الأقصى من المرونة الممكنة ضمن حدود السيادة والمصلحة الوطنية. وهي، وإن لم تذهب إلى موقع الرفض الكامل، إلا أنها لم تُبْنَ على قاعدة التسليم، بل على محاولة صياغة تسوية تحفظ الحد الأدنى من الكرامة السياسية للدولة، وتُبقي هامش المناورة مفتوحاً أمام المقاومة. من هنا، فإن الحديث عن تسليم أو خضوع، وفق المصادر، لا يجد له سنداً فعلياً في مضمون الردّ اللبناني.

على الضفّة الاخرى، يظهر أن الموقف المقابل، وتحديداً الإسرائيلي، لم يصدر عنه حتى الآن ما يشير بوضوح إلى تبدّل جوهري في المقاربة. ذلك أن إسرائيل، كما جرت العادة، لا تتعاطى مع المسارات التفاوضية بوصفها بديلاً عن الميدان، بل تسعى دائماً إلى استخدام الضغط العسكري، المباشر أو غير المباشر، كأداة لتحسين الشروط. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، وفق المصادر، هو ما إذا كانت إسرائيل ستعمد، بالتزامن مع هذه المرحلة، إلى توسيع نطاق عملياتها النارية، كجزء من محاولة فرض وقائع قبل تثبيت أي اتفاق.

من جهة أخرى، تؤكد مصادر دبلوماسية أن التواصل بين بيروت والمبعوث الأميركي سبق الزيارة الرسمية، وأن الأرضية السياسية قد أُعدّت مسبقاً، سواء من خلال زيارة الموفد السعودي يزيد بن فرحان أو عبر قنوات خلفية. وقد تبلورت نتيجة هذه الجهود في ردّ لبناني موحّد ومفصّل، انطلق من منطق الفرصة لا منطق التنازل، وشدد على ضرورة التزام إسرائيل بواجباتها، ما يعكس وجود إرادة لبنانية جدية في فتح باب التهدئة إذا توافرت ظروفها.

رغم ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى صدقية الاندفاعة الأميركية، سيما أن حملات التهويل السابقة، والتي نُسبت إلى مصادر أميركية، تبيّن أن جزءاً كبيراً منها كان مصدره محلياً، من داخل المشهد اللبناني نفسه. الأمر الذي يطرح، بحسب المصادر، فرضية أن بعض القوى في الداخل كانت تحاول الاستثمار في التهويل لتحقيق أهداف سياسية داخلية، إما بدفع "الحزب"  إلى التراجع، أو بتثبيت معادلة داخلية تضع المقاومة في موقع دفاعي.

وفي السياق ذاته، تُشير الأوساط إلى أن موقف المقاومة بلغ بدوره الحد الأقصى الممكن في ظل ظروف الاحتلال والاعتداءات المتكررة. فالحزب لم يتراجع، ولم يقدم تنازلات جوهرية، ويدرك أن بعض ما يُطرح قد يكون محاولة التفافية لتعديل قواعد الاشتباك القائمة. لذلك، فإن حذره إزاء ما يوصف بأنه تفهّم أميركي يبدو طبيعياً، خصوصاً أن التجربة مع واشنطن مليئة بالمفاجآت والمناورات. 

ما بدا لافتاً أيضاً، أن الفريق المُعادي لـ"حزب الله" في الداخل اللبناني أظهر انزعاجاً بالغاً من تصريحات باراك، لا سيما أنه لم يتبنَّ سردية الضغط والمهل والعقوبات، بل تحدث بلغة تمايزت عن التهويل السائد. وقد قرأت هذه الأوساط في كلامه رسالة عكسية، باعتبار أن ما قيل يضعف موقعها السياسي ويظهرها وكأنها كانت تبالغ في الرهانات والتوقعات.

انطلاقاً من كل ما سبق، ترى مصادر سياسية أن التصعيد، إن حصل، فلن يكون نتيجة الرد اللبناني، بل نتيجة قرار مسبق بالتصعيد وارتباطات خارجية لم تتخلّ بعد عن خيار استخدام الضغط العسكري لتحقيق أهداف سياسية. أما إذا أُريد فعلاً السير نحو التهدئة، فإن ما قدّمه لبنان يُشكّل فرصة مقبولة، ويُمهّد الى إمكان الدخول في مرحلة تفاوض جديدة عنوانها تثبيت الاستقرار، لا فرض المعادلات بالقوة.

وتضيف المصادر بأنّ لبنان حافظ على تموضعه السياسي ولم يُقدِم على أي تنازل في رده على الطرح الأميركي، إلا أن ذلك لا يعني أن احتمالات التصعيد قد تلاشت كلياً، أو أن فرضية المواجهة خرجت من الحسابات. فبعض التقديرات ترى أن واشنطن، رغم خطابها المائل إلى التهدئة، قد تركت عمداً هامش المناورة مفتوحاً أمام إسرائيل، بما يسمح لها بالتعامل مع الورقة اللبنانية وفق أولوياتها الخاصة. وفي هذا الإطار، لا يُستبعد، بحسب ما تكشفه المصادر، أن يكون الموقف الأميركي أقرب إلى تخلٍ محسوب عن إدارة المسار، بحيث يُترَك للطرفين الأساسيين، لبنان وإسرائيل، مهمة ضبط الإيقاع والمبادرة، بما يحوّل المسؤولية إلى ملعب المواجهة المباشرة.
بالتالي، فإن التقييم النهائي لمسار المرحلة الحالية يحتاج إلى وقت إضافي، على الأقل أسبوع، لتبيان ما إذا كانت إسرائيل تنوي تلقف المبادرة، أم تسعى إلى تفجيرها، وعندها، لا يبقى السؤال عن الرد اللبناني، بل عن القرار الإسرائيلي الفعلي، وعن حجم التفويض الأميركي الممنوح له في إدارة المرحلة المقبلة. الكرة، مرة جديدة، ليست في بيروت، بل في واشنطن وتل أبيب.
 
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

ايناس كريمة Enass Karimeh

Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast