رعى
وزير المالية ياسين جابر اليوم الثلثاء في مقر معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي إطلاق "تقرير مراجعة الإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية (2017–2024)"، وهو ثمرة جهد مشترك بقيادة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، بدعم فني من منظمة العمل الدولية واليونيسف وبتمويل مشترك من
الاتحاد الأوروبي، وأكّد جابر خلال اللقاء أن "أولوية الحكومة في هذا المجال "حماية شبكات الأمان الاجتماعي وتوسيعها والفئات الأكثر هشاشة، وخصوصا المتضررين من النزاعات" و"إصلاح الخدمة المدنية ونظام التقاعد"، في حين كشفت وزيرة
الشؤون الاجتماعية حنين السيد أنها طلبت"زيادة مخصصات المساعدات الاجتماعية من 4 في المئة إلى 30 في المئة من إجمالي موازنة الوزارة".
وذكّر جابر في كلمته في الجلسة الافتتاحية بأن "
مجلس الوزراء أقرّ في شباط 2024 الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، وهي خطوة جريئة لرسم ملامح نظامٍ اجتماعي أكثر عدالة وقدرة على الصمود أمام الأزمات (...) لا يترك أحدًا على الهامش، ولا يسمح بأن تتحوّل الأزمات إلى قدرٍ دائم" على العائلات
اللبنانية.
وأشار إلى أن "هذه الاستراتيجية رسمت خمسة محاور واضحة هي تقديم المساعدات لمن هم الأكثر حاجة، وتوسيع شبكات التأمينات الاجتماعية، وتعزيز خدمات الرعاية الاجتماعية، ودعم فرص العمل للفئات الأكثر هشاشة، وتكريس حق كل لبناني ولبنانية في التعليم والصحة دون تمييز أو عائق".
وأقرّ بأن "هذه الاستراتيجية، بكل ما تحمله من أمل وطموح، تصطدم بواقع صعب ومعقّد (...)، ورغم بعض النقاط المضيئة، مثل استقرار تحويلات المغتربين عند حدود سبعة مليارات دولار سنويًا، والتعافي الجزئي لقطاع السياحة، فإن واقعنا لا يزال يعاني من ضعف هيكلي عميق (...). أما كلفة إعادة الإعمار، فتُقدّر بـ 11 مليار دولار، يخصّص منها حوالي مليار دولار لتصليح البنى التحتية وحدها، وهو أمر جيد إذ أن
البنك الدولي أقر في اجتماع لمجلس الادارة الأسبوع الفائت 250 مليار دولار أميركي تأسيساً لصندوق بمليار دولار من أجل بدء بموضوع إعادة إعمار البنى التحتية". وأما في أن "يأتي هذا التمويل من إيرادات محلية، أو من خلال المساعدات الدولية، وهي بقية المليار أي 750 مليوناً، أو عبر الاقتراض إذا استعاد
لبنان قدرته على الوصول إلى الأسواق المالية، وهذا أمر لا بد منه اذ أن ثمة قروضاً ضرورية لإصلاح قطاع الكهرباء".
وأضاف: "لعلَّ التحدي الأكبر أمامنا هو أن قدرتنا المالية محدودة للغاية، مع هامش ضيق جدًا للإنفاق التقديري يذهب معظمه اليوم إلى تلبية الاحتياجات الطارئة"، لافتاً إلى أنَّ "نسبة ما خُصص للحماية الاجتماعية في موازنة 2024 لم تتجاوز 4%، وهذه نسبة لا تعكس حجم الحاجة ولا تتناسب مع طموحنا ولا حق الناس علينا".
لكنّه شدّد على أن "الأمل يبقى رغم كل ذلك"، وهو "موجود طالما لدينا إرادة العمل وخريطة الطريق الواضحة"، مشيراً إلى أن "الحكومة تعمل اليوم أولاً على تعبئة الإيرادات المحلية من خلال إصلاح السياسات الضريبية، وترشيد الإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة، وفرض ضرائب انتقائية جديدة، وتحديث قانون ضريبة الدخل، وثانياً توسيع
القاعدة الضريبية عبر تعزيز الالتزام الضريبي وإدماج الاقتصاد غير الرسمي من خلال مسوح ميدانية دقيقة وعمليات تدقيق فعّالة، وثالثاً إعادة بناء قدرات الإدارات الضريبية، من الجمارك إلى السجل العقاري وهيئة الضرائب، عبر التحوّل الرقمي وتطوير آليات تبادل البيانات".
وأشار إلى أهمية المكننة "لتحقيق كل ما هو مطلوب ضمن الاصلاحات"، مذكّراً بأن "الاتحاد الاوروبي أعطى
وزارة المالية قبل أسبوعين سلفة بقيمة مليون دولار بهدف تحديث المكننة في الدوائر العقارية وكان سبق وأعطى خمسة ملايين للجمارك والمالية العامة".
وتابع: "إنَّ أولوياتنا واضحة رغم كل هذه الضغوط"، وأولها "حماية شبكات الأمان الاجتماعي وتوسيعها، من برنامج أمان للتحويلات النقدية إلى القوانين التي تحفظ حق كبار السن والمتقاعدين". وشرح أن الأولوية الثانية "حماية الفئات الأكثر هشاشة، وخصوصا المتضررين من النزاعات، عبر سياسات قطاعية شاملة في التعليم، الكهرباء، المياه، إدارة النفايات، والنقل". وأوضح أن الأولوية الثالثة تتمثل في "إصلاح الخدمة المدنية ونظام التقاعد لنستعيد الثقة ونضمن أنَّ مؤسسات الدولة تستطيع أن تخدم مواطنيها بفاعلية وكفاءة". وأشار إلى أن "ثمة نظام تقاعد جديداً أقر في المجلس النيابي والمطلوب اليوم أن نبدأ بتنفيذه بشكل جدي".
وأضاف: "لهذا، نطرح اليوم سؤالين لا بدّ منهما: كيف نعبئ المزيد من الإيرادات لنخلق مساحة مالية لإصلاح اجتماعي حقيقي؟ وكيف نرتّب أولوياتنا وسط هذا الكم من الأزمات والضغوط — من تعديل الرواتب، إلى إعادة هيكلة الدين العام، إلى حفظ حقوق المودعين؟".
ورأى أن "الإجابة واضحة: أي حلّ يجب أن يقوم على ثلاث ركائز أساسية، وهي أولاً الاستدامة المالية، فلا إصلاح بلا تمويل مضمون ومستدام، وثانياً العدالة والإنصاف لأن من غير المقبول أن يتحمل الأضعف كلفة الأزمات المتراكمة، وثالثاً قاعدة صلبة من البيانات والأرقام، فلا مكان بعد اليوم للارتجال".
وشدّد على أنّ "تمويل الحماية الاجتماعية في لبنان ليس مسألة مالية بحتة. إنه رهان سياسي وأخلاقي على قدرة
الدولة على أن تحمي شعبها عندما تضيق الخيارات. إنه اختبارٌ حقيقي لعلاقتنا بالمواطن وثقته بمؤسساته".
وقال: "لهذا، أدعوكم جميعًا ،برلمانيين، كمسؤولين تنفيذيين، كشركاء دوليين ومحليين، ان نكون معًا على قدر هذه المسؤولية، وأن نحافظ على الأمل بقرارات شجاعة، وخطة تنفيذية واضحة، وأرقام شفافة نضعها أمام الناس بكل صدق".
وختم: "لبنان يستحق. وأبناؤه يستحقون. وهذه الاستراتيجية لن تكون حبرًا على ورق إذا وضعنا أيدينا معًا، ورفعنا عن كاهل المواطن وحده كلفة الأزمات التي لم يكن له فيها يد. معًا، نعيد الثقة، نعيد الإنصاف، ونفتح الباب أمام مستقبل يليق بكرامة اللبنانيين جميعًا".