Advertisement

لبنان

قراءة جديدة تفكّ شيفرة براك: رسالة دبلوماسية مليئة بالإشارات!

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
09-07-2025 | 10:30
A-
A+
Doc-P-1388875-638876529580984303.jpg
Doc-P-1388875-638876529580984303.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لم يكن تصريح المبعوث الأميركي إلى بيروت، توماس براك، مجرّد موقف دبلوماسي عابر، ففي حين تلقّفته بعض الأوساط السياسية والاعلامية كإشارة إيجابية إلى تمسّك واشنطن بالحوار الداخلي لمعالجة ملف سلاح "حزب الله"، فإن مصادر دبلوماسية، شديدة الاطلاع، اعتبرته تحوّلاً غير معلن في المقاربة الأميركية، يستبدل المواجهة المباشرة بنقل منظّم للمسؤولية نحو الداخل اللبناني، ضمن رسالة باردة، لكنها مليئة بالإشارات.
Advertisement

تقول المصادر، إن التصريح لا يمكن فصله عن الأجواء التي سادت لقاءات براك مع الرؤساء الثلاثة. إذ إنه، ورغم ما سمعه من تمسّك واضح بحصر السلاح بيد الدولة، فقد كان لافتاً أيضاً تأكيد المسؤولين اللبنانيين على أن "حزب الله" هو مكوّن سياسي وشعبي أساسي في المعادلة الوطنية، لا يمكن عزله أو تجاهله في أي مقاربة داخلية، مع تفضيل صريح للمسار الحواري كمدخل وحيد للمعالجة، بدل الانزلاق نحو المواجهة أو التفجير الداخلي.

في العلن، حرص براك على وصف ما سمعه من المسؤولين اللبنانيين بأنه "مُرضي جداً"، وذلك في محاولة لإبقاء الموقف تحت سقف المجاملة الدبلوماسية، لكن المصادر تؤكد أن هذا الوصف لا يعكس الانطباع الحقيقي الذي خرج به من اللقاءات، بل يغطي على قلق فعلي من واقع لا تراه واشنطن قابلاً للاستمرار.

وبحسب المصادر، لا تنظر واشنطن إلى ما سمعته في بيروت كمؤشر على معالجة جادة، بل كإعادة تثبيت لمعادلة تُعيد تحميل الداخل اللبناني مسؤولية الملف. فتصريح براك لم يكن طرحاً حيادياً أو تعليقاً بريئاً، بل رد مدروس على ما سمعه من المسؤولين، ووسيلة دبلوماسية محسوبة لتحويل الموقف الأميركي إلى تلويح مباشر بتحمّل الداخل تبعات خياراته. وبالتالي، لم يكن في كلامه أي انفعال أو ضغط علني، بل استخدم نبرة هادئة ليقول ما هو أكثر وضوحاً: ما دامت الدولة تُقِرّ بكون "الحزب" طرفاً سياسياً فاعلاً،  فإن ملف السلاح بات استحقاقاً داخلياً يتطلب معالجة جدّية من الداخل أولاً.

وتذهب المصادر إلى اعتبار هذا التصريح بمثابة تمهيد فعلي لتحوّل في السياسة الأميركية، يفتح الباب أمام إمكانية رفع اليد عن الملف اللبناني ككل، إذا ما استمر الداخل في إدارة الأزمة بالأسلوب نفسه. فواشنطن، وإن كانت تعتبر سلاح "الحزب" خارجاً عن الشرعية، إلا أنها لا تمانع خوض أي مفاوضات داخلية تؤدي إلى معالجة متدرجة. لكنها في المقابل تحذر من أن الرهان المستمر على الحوار من دون نتائج، أو المراوحة في منطقة وسط بين التسليم والإنكار، قد يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة، يُترك فيها لبنان في مواجهة تبعاتها منفرداً.

وبمعنى أكثر وضوحاً، ترى المصادر أن التصريح يُعيد ترسيم العلاقة بين الدولة و"الحزب" ، بحيث لا يعود سلاح الأخير قضية منفصلة أو مستثناة، بل جزء من المشهد الشرعي العام. وبذلك، تصبح الدولة مسؤولة، سياسياً وقانونياً، عن أي أفعال تُنفَّذ من قبل جهة تُقرّ هي نفسها بشرعيتها وتمثيلها.  

وهنا تحديداً، تبرز وفق المصادر، واحدة من أخطر الإشارات التي حملها التصريح. فالإقرار بحصرية السلاح بيد الدولة، مقروناً بتأكيد متكرر على أن "الحزب" جزء لا يمكن عزله من البنية السياسية، يُنتج في نظر واشنطن معادلة ملتبسة؛ حيث الدولة ترفض السلاح نظرياً، لكنها في الوقت نفسه تسعى لمعالجته من موقع الشراكة لا المواجهة، ومن خلال مفاوضات طويلة الأمد وغير حاسمة. هذا الواقع، تقول المصادر، يجعل الدولة مسؤولة فعلياً عن كل ما يصدر عن "الحزب"، بحكم الاعتراف به وعدم القدرة أو الرغبة في فصله عن منظومة الحكم. وهو، بحسب المصادر، ما ترى فيه إسرائيل مبرراً قانونياً لأي رد محتمل، باعتبار أن ما ينطلق من لبنان بات يُحمَل على أنه فعل صادر عن دولة تتبنّى الفاعل أو تتعايش معه. هذه الإشارة، وإن لم تُقل صراحة، عكسها كلام برّاك بوضوح حين سُئل عن احتمال تصعيد إسرائيلي، فأجاب: "أضمن أن أسير على الماء، ولا أضمن أن لا تقوم إسرائيل بعمل عسكري".

من زاوية أخرى، تشير المصادر إلى أن خطاب براك لا يمكن عزله عن السياق السياسي الأوسع الذي تنتهجه إدارة ترامب. فالإدارة الحالية تعتمد، بحسب المصادر، سياسة قائمة على الازدواجية، حيث تُظهر واشنطن نفسها كمفاوض متعقّل، لكن في الوقت ذاته تُطلق يد إسرائيل كذراع تكتيكي تنفّذ من خلاله عمليات ضغط ميدانية عنيفة، لإجبار الأطراف على العودة إلى الطاولة، ولكن تحت وطأة الضربات وليس من موقع الندية. ولعلّ النموذج الإيراني الأخير خير دليل، حين أُعلنت نية التفاوض، وتلاها بساعات اغتيال مجموعة من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، ثم سلسلة ضربات غير مسبوقة، قبل العودة إلى الحديث عن المفاوضات مجدداً.

ووفق هذه القراءة، فإن تصريح براك لا يُفصل عن احتمال مماثل في لبنان؛ كلام دبلوماسي أميركي يواكبه تصعيد ميداني إسرائيلي، يجبر الداخل اللبناني على الانخراط مجدداً في مفاوضات، ولكن من موقع ضعف، وليس كما هو الحال اليوم. ومن هنا، ترى المصادر أن التصريح لا يعود مجرّد تقييم للوضع، بل رسم لخط جديد في السياسة الأميركية تجاه لبنان.

وترى المصادر أن خطورة التصريح لا تقتصر على تلويح أميركي برفع الغطاء عن لبنان الرسمي، بل تتعدّاها إلى ما هو أعمق. إذ إن الاعتراف الواقعي بالحزب كطرف لا يمكن عزله، من دون موقف حاسم من سلاحه، يفتح الباب أمام مقاربة جديدة لمعادلة التوازن الداخلي. فحين يُعامل السلاح كأمر واقع ويُستبعد خيار المواجهة المباشرة، يصبح من المشروع، في نظر بعض القوى، المطالبة بالمثل: تسليح جماعات أخرى بحجّة الدفاع الذاتي ودرء الخطر أو استعادة التوازن. وهنا، لا يُستبعد، بحسب المصادر، أن تعود سوريا لتلعب الدور الذي لعبته سابقاً، ولكن هذه المرة لدعم أطراف مسيحية وسنية. وتضيف المصادر أن هذا المسار قد يجد دعماً غير مباشر من قوى إقليمية كتركيا وبعض دول الخليج، تحت عنوان "المساواة بالسلاح"، لا سيما إذا استمرّت الدولة في إدارة الملف بالمسايرة لا بالموقف الحازم. 

وتشير المصادر الى أن إشارات التصريح لا تقتصر على تحميل السلطة وحدها كلفة المراوحة، بل تمتد أيضاً إلى المعارضة، التي تجد نفسها أمام لحظة اختبار لا لبس فيها. فحين تُعلن واشنطن أن المعالجة شأن داخلي بالكامل، فهي تسحب من الجميع هامش التذرّع بالتعقيدات أو التوازنات، وتضعهم أمام مسؤولية اتخاذ موقف، من دون دعوة صريحة للتحرّك، لكن الرسالة واضحة: لن نتدخل ولكن لن نمنع أحداً من كسر الجمود، سياسياً كان أو شعبياً.

في المحصّلة، اعتبرت المصادر، أن تصريح براك لم يكن مجرّد موقف دبلوماسي، بل لحظة سياسية فارقة تعيد رسم حدود الخطاب الأميركي في لبنان، وتفتح الباب أمام إعادة تنظيم قواعد الاشتباك حول ملف لم يعد يُدار بالتفاهمات الغامضة أو الغطاء الضمني، بل هو إعلان مدروس بأن سياسة الحماية من الانفجار لم تعد قائمة، وأن الكلفة من الآن فصاعداً لن تقع على الخارج، بل على الداخل اللبناني نفسه. هو ليس مجرد لهجة هادئة، بل إشارات دقيقة لما هو آت.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

ايناس كريمة Enass Karimeh

Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast