لا يزال
لبنان يترقّب الموقف الأميركي من ردّه «المزدوج» على ورقة المبعوث الأميركي، توم برّاك، الذي من المتوقع، وفق مصادر وزارية، ألا يكون قريباً جداً؛ بل أن يأخذ بعض الأيام الإضافية.
ولفتت المصادر نفسها «الشرق الأوسط» إلى أن الجانب الأميركي «يراجع الرد اللبناني الذي لا يقتصر على الورقة التي قدّمها الرئيس جوزيف عون، إنما أيضاً الملاحظات التي قدمها رئيس البرلمان
نبيه بري، وبالتالي الاطلاع على الاختلاف بين الورقتين ومدى تطابقهما في بعض النواحي، وهو ما قد يأخذ بعض الوقت».
وتشير المصادر إلى أن الطرف اللبناني لا يزال ينتظر اتصالاً من السفيرة الأميركية في
بيروت، التي من المفترض أن تنقل الرد الذي يرتكز بشكل أساسي على سحب سلاح «حزب الله»، وفق ما كان الاتفاق عليه في الاجتماعات الأخيرة، «وهو ما لم يحصل حتى الآن».
الى ذلك، تحضر مواقف برّاك إلى جانب الكثير من العناوين في جلسة مناقشة الحكومة التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري يوم غد الثلاثاء، وتأتي الجلسة بعد ستة أشهر على نيل الحكومة الثقة، حيث تتوالى ردود الفعل والمواقف، تعليقاً على تصريحاته الأخيرة التي أثارت حالة من الذهول، رغم توضيحات لاحقة أدلى بها.
وذكرت «الأخبار» أن الدولة
اللبنانية لن تصدر أي موقف وأنها اكتفت بتوضيح برّاك، بعد اتصالات حصلت مع السفارة، قال فيه إن «تصريحاته الأخيرة بشأن
سوريا فُهمت خطأ»، موضحاً أنها «لم تكن تهديداً للبنان»، بل جاءت في سياق الإشادة بـ«الخطوات المثيرة للإعجاب» التي تتخذها دمشق.
مصدر رسمي اكتفى بالقول لـ «نداء الوطن» إنه لم يصله أي شيء رسمي من
الأميركيين ولن يدخل في تفسير لكلامه. وأكد المصدر أن الملفات التي تعالج مع واشنطن كثيرة وهي تحتاج إلى وقت، وسط نفي حصول أي اتصالات من أجل التطبيع.
واعتبرت مصادر كنسية عبر «نداء الوطن» أن كلام براك، عن احتمال ضم لبنان إلى الشام ومن ثم توضيحه، يجب أن يسبب خضة داخل أروقة الدولة اللبنانية ويدفعها إلى التحرك الفوري من اجل استعادة هيبتها وحصر السلاح بيد الجيش والقوى الشرعية. وأسفت المصادر لتباطؤ الخطوات الإنقاذية المطلوبة، ولطالما حذر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من خطر يطاول الكيان وكان يُجابه بحملات التخوين، لذلك لم يعد هناك أي مبرر للسلطة السياسية لعدم التحرك واتخاذ قرارات جريئة تحمي الكيان اللبناني وتضعه على الخريطة الجديدة خصوصًا أننا نلاحظ أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء في حين تسبقنا دول الجوار في الخطوات الصحيحة.
وكتبت" النهار": شكّلت "عاصفة" توم برّاك في الساعات الـ48 الأخيرة مادة ملتهبة إضافية، سيكون من شأنها إذكاء حماوة المداخلات والنقاشات التي ستشهدها جلسة المناقشة العامة لسياسات الحكومة التي سيعقدها غداً مجلس النواب في جلستين قبل الظهر وبعده. وإذا قرّر رئيس المجلس فتح الجلسة للتغطية التلفزيونية المباشرة، فإن ذلك سيشكّل بدوره عامل تسخين إضافياً بما سيجعل من هذه الجلسة محطة تتخطى تسجيل المواقف للكتل والنواب من التطورات الراهنة، إلى اختصار صورة الإرباك الكبير والغموض الواسع اللذين يرخيان بذيولهما على مجمل الوضع في لبنان. ومن نافل القول إن جلسة المناقشة العامة سيكون حجر الرحى في مداخلاتها وكلماتها ونقاشاتها الموضوع المتفجر المتصل بنزع سلاح "
حزب الله"، بعدما أثارت المقاربة الرئاسية الثلاثية للردّ على ورقة برّاك انتقادات لعدم عرضها على
مجلس الوزراء بما سيستتبع باتساع النقاش حول مجمل الملف في مجلس النواب.
وأما في ما يتصل بالتداعيات الحادة لتصريحات برّاك المحذرة من "عودة لبنان إلى بلاد الشام"، فبدا لافتاً أن التوضيح الذي عاد وأصدره لم يخفف كثيراً من غلواء الشك والقلق المتصاعدين حيال حقيقة دوافع الموفد الأميركي إلى إطلاق موقفه الأول ومن ثم تصويبه. ولعل القلق من خلفيات هذه العاصفة بلغ ذروته في ظل معطيات تتحدث عن أن اتصالات عاجلة وكثيفة أجريت بين مراجع لبنانية والموفد الأميركي، عكست أصداء المفاجأة السلبية التي أحدثها برّاك واستدعت منه المسارعة إلى تفهّم الأجواء العاصفة التي أثارها وإصداره التوضيح. ومع ذلك، فإن المعطيات نفسها تشير إلى أن "الأسوأ لم يحصل بعد" في ما يعني أنه لا يمكن التعامل مع تصريحات برّاك بعد عودته إلى واشنطن إلا من خلال تدقيق الدوائر المختصة في الإدارة الأميركية في الردّ
اللبناني على ورقته، وتالياً ترجيح احتمال أن يكون برّاك يرجع صدى تقويم سلبي لهذا الرد. وفي ظل هذه التقديرات، ترجّح المعطيات نفسها أن تكون ثمة زيارة ثالثة قريباً لبرّاك إلى لبنان وأن "الثالثة ثابتة" لجهة أنها ستتّسم بطابع حاسم فعلاً لأنها ستحمل الردّ الأميركي وتوجّهات الإدارة الأميركية عملياً حيال السلطة اللبنانية، في ما يعود إلى مسالة نزع سلاح "حزب الله"، بما سيتبين معه مدى الهامش المتاح للبنان بعد في التمهل أو عدم التمهل بعد الآن في وضع خطة واضحة لبرمجة نزع السلاح.
وكتبت" الاخبار":لا ينفع مع برّاك تحديداً، تأويل ما قاله ولا التخفيف منه ولا إدخاله في سياق التصريحات غير المدروسة، أو غير المرضيّ عنها أميركياً، حتى بعدَ التوضيح الذي أصدره.فبراك يعني الرئيس الأميركي
دونالد ترامب ولا ينقل إلا ما يفكّر به الأخير، حتى لو كانَ سيناريوهات مجنونة كتلك التي يرسمها لغزة، والرجل الذي تربطه علاقة صداقة قوية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان معروف عنه أنه لا يخضع لمراجعة أو مُساءلة، وليس بحاجة أن يعود إلى
وزارة الخارجية ولا إلى سفارة، بل ينقل مباشرة من لسان ترامب إلى مسامع من يعنيهم الأمر.
إلا أن المفارقة والصدمة، كانتا في الصمت المدوّي أمام تصريحاته من قبل الدولة اللبنانية ورموز «السيادة» فضلاً عن رؤساء أحزاب وتيارات «سيادية» لم يصدر عنهم موقف بحجم خطورة ما قاله برّاك، لا بل إن البعض كقائد «القوات» سمير جعجع، حمّل الدولة المسؤولية.
أما المفارقة الأكبر، فكانت في غياب أي موقف على لسان المرجعيات الروحية المسيحية التي لم تتطرّق لا من قريب ولا من بعيد في عظات الأحد إلى كلام برّاك.
وقال مصدر واسع الاطلاع لـ<الديار» ان «التخبط هو سيد الموقف لدى المسؤولين اللبنانيين، وبالتحديد الحكومة ورئاسة الجمهورية كما وزارة الخارجية، فهم غير قادرين على الخروج لانتقاد وادانة ما ورد على لسان برّاك، وبنفس الوقت لا يستطيعون التعامل معها وكأنها لم تكن، نظرا للاستياء الشعبي الكبير منها ، والضغوط السياسية المطالبة بموقف رسمي واضح».
وأشار المصدر الى انه «بات واضحا ان الهدف الاساسي من تحذيرات برّاك، ومن محاولة ربط مصير سوريا مجددا بمصير لبنان، وهو ما يتزامن مع اخبار متداولة عن تحركات على الحدود من الجهة
السورية وتوقيف خلايا متشددة، كلها تصب في خانة الضغوط المتواصلة على كل المستويات على لبنان لتسليم سلاح حزب الله، وهي ضغوط من المرجح ان تتفاقم في المرحلة المقبلة»، معتبرا ان «المستغرب هو ان القوى التي لطالما صوّرت نفسها مدافعة شرسة عن السيادة اللبنانية لحد انها أسمت نفسها «سيادية»، لم تتكبد عناء انتقاد ما قاله برّاك، ومن اصدر موقفا منها كان الموقف باهتا جدا، واقرب لان يبرر له ما حذّر منه».