كتب جوني منيّر في" الجمهورية": برّاك الذي دشن مهمّاته في المنطقة بتغريدة «نعي » سايكس بيكو، تشتمّ دائماً في خلفية كلامه «نكهة » التحضير لمشهد جغرافي جديد للمنطقة. فحتى بالأمس وفي كلامه في نيويورك، بدأ الصديق الحميم لترامب حديثه بالإشارة الى أنّ تدخّلات الغرب في هذه المنطقة من العالم منذ عام 1919 )مؤتمر سان ريمو الذي كرّس تقسيمات سايكس بيكو( أدّت إلى نتائج رائعة، إذا نظرنا إلىسايكس بيكو وتقسيم المنطقة إلى دول قومية وما تلاها. وتابع برّاك: «رؤيةترامب مختلفة، وليس هذا ما يريد القيام به .» ووفق ما تقدّم يمكن استنتاج خلفية المشهد الذي تعمل إدارة
ترامب على رسمه. خريطة جغرافية جديدة لا تقوم كياناتها على الأسس القومية التي عرفناها. فوظيفة تلك الخريطة انتهت على ما يبدو. ومن هذه الزاوية لا بدّ من النظر إلى التطورات الهائلة والمتسارعة،والتي احتاجت للتبدّلات الجذرية على مستوى السلطة في دمشق، والتي تطاول أجزاء أساسية من ساحتها، حيث تطلبت إبقاء النار مشتعلة ليس فقط في غزة والضفة ولبنان وسوريا، بل وصلت إلى طهران والسعي لإنهاء قدرتها الإقليمية، في وقت بات معلوماً أنّ
إيران تريد أن تتولّى دور القوة الإقليمية العظمى في
الشرق الأوسط. ومن هذه الزاوية يصبح مفهوماً أكثر أن يجري تعيين الصديق الأقرب لترامب كسفير لبلاده في
تركيا، والتي تعمل بالتفاهم والتحالف مع
واشنطن على ترتيب حضور جديد لها في المعادلة الجاري رسمها. وفي الوقت نفسه، أن يجري إيلاؤه الملف السوري مع كل التبدّلات الجذرية التي تطاوله. وبالتالي فإنّ إضافة
لبنان إلى مهمّاته، وتحديداً مهمّة إنهاء النفوذ
الإيراني على ساحته، تصبح أكثر وضوحاً. ولا يجب أن يغيب عن بالنا الاندفاعة السريعة لدمشق في اتجاه التطبيع مع
إسرائيل. فالكشف عن لقاء سوري إسرائيلي مباشر في باكو خلال زيارة رسمية لأحمد
الشرع إلى أذربيجان، إنما يعكس عن مسار كبير تمّ إجتيازه بسرعة خلال المرحلة الماضية، خصوصاً وسط المعلومات عن عدد من الاجتماعات التي حصلت بين الطرفين سراً في تركيا.ووفق كل ما سبق، فإنّ من البساطة بمكان النظر في الإهتمام الأميركي بلبنان من زاوية ضيّقة ومحدودة. لا بل أكثر، فلا بدّ من التيقن بوجود قرار كبير على مستوى «تغيير الدول »، ما يستوجب «حفظ الرأس » لا المكابرة وأخذ الأمور بخفة وسذاجة. وقد يكون التهويل الذي لوّح به برّاك صحيحاً في جانب منه. بمعنى أنّ زوار واشنطن يتحدثون عن استئناف الحرب
الإسرائيلية مع بداية الخريف إذا لم يلبِ لبنان المطالب الأميركية. وإنّ الحرب الجوية من المحتمل أن تكون مقرونة هذه المرّة بمواجهات برّية ستتولاها قوات الشرع عند الحدود مع البقاع
الشمالي، وحيث تمّت زيادة أعداد العناصر
السورية و »الإيغور » بعض الشيء. ويجب التنبّه دائماً إلى «المكاسب » الإقليمية التي يمكن أن تنالها تركيا من خلال إمساكها بأوراق قوة إضافية في حال الحرب. أضف إلى ذلك، التنسيق الأمني الكبير بين واشنطن ودمشق، وإنّ التقدّم في العلاقة بين
سوريا وإسرائيل لا بدّ أن يتضمن تفاهمات أمنية وعسكرية.