أقام السفير الفرنسي في
لبنان، هيرفي ماغرو، وعقيلته حفل استقبال رسمي في قصر الصنوبر بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، حضره حشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والثقافية.
شارك في المناسبة وزير الثقافة غسان سلامة ممثلاً رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، والأستاذ محمود
بري ممثلاً
رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جانب رئيس الحكومة القاضي نواف سلام، والرئيس السابق ميشال سليمان. كما حضر وزراء العدل، الصناعة، الطاقة، الإعلام، الشؤون الاجتماعية، المالية، والبيئة، إضافة إلى عدد كبير من النواب، السفراء، المسؤولين الأمنيين، النقابيين، الإعلاميين، ورجال الدين.
وقد شاركت فرقة من قوى الأمن الداخلي في فعاليات الحفل، إلى جانب النائبة
الفرنسية أماليا لاكرافي وثلة من القوات الفرنسية العاملة ضمن قوات اليونيفيل في الجنوب، فضلاً عن عناصر من فرقاطة "لافاييت" وأركان السفارة الفرنسية.
وفي كلمته، استهل السفير الفرنسي في لبنان، هيرفي ماغرو، كلمته بشكر الطالبة سارة قطّار من كلية الطب في جامعة القديس
يوسف على أدائها المميز للنشيدين الوطنيين اللبناني والفرنسي، مشيدًا بالجامعة التي تحتفل بمرور 150 عاماً على تأسيسها، وبدورها العميق في ترسيخ العلاقة بين فرنسا ولبنان وخدمة شباب هذا البلد.
وتوقف السفير عند أهمية المرحلة التي تمر بها البلاد، قائلاً: "مع بزوغ أمل حقيقي منذ الانتخابات الرئاسية، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نفكر في الشباب اللبناني، الذي عانى من الأزمات المتلاحقة الانهيار الاقتصادي، انفجار مرفأ
بيروت، والحرب مما ولّد مشاعر اليأس وخيبة الأمل والتساؤل حول مصيرهم في هذا الوطن".
وأكد على ضرورة بقاء الشباب اللبناني على ارتباط بالعالم، والاستمرار في نشر ثقافتهم، مع التشديد على أهمية خلق فرص داخل وطنهم. وأشار إلى
أن فرنسا لا تزال الوجهة الدراسية الأولى للطلاب اللبنانيين، حيث بلغ عددهم أكثر من 11 ألف طالب.
ونوّه ماغرو بالدور الريادي للجسم التعليمي في لبنان، الذي، رغم الأزمات، لم يتخلَّ عن رسالته، ونجح في الحفاظ على المستوى التربوي المتميز، مشيرًا إلى أهمية التعددية اللغوية في لبنان كعامل تكاملي وليس تنافسي.
ولفت السفير إلى أن لبنان، الغارق في أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، تأثر بشدة جراء الحرب، وذكر أن اثنين من المواطنين الفرنسيين قضوا نتيجة انهيار منزلهم بفعل الضربات
الإسرائيلية في أيلول الماضي. وأعرب عن تضامنه مع العائلات المتضررة، موجهًا الشكر لفرق السفارة والقنصلية، والمنتخبين، والجهاز الطبي والمنظمات غير الحكومية على جهودهم خلال هذه الفترة العصيبة.
وفي سياق تطورات الأشهر الأخيرة، رحّب السفير بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، معتبرًا أن هذه الخطوات تمثل فرصة لا ينبغي تفويتها. ودعا مجلس النواب إلى تحمل مسؤوليته في مواكبة الورش الإصلاحية، مضيفًا: "الشعب نفد صبره، وهذا مفهوم تمامًا، لكن خطوات ملموسة بدأت، ويجب أن تستكمل".
وشدد على أن التحديات تبقى كثيرة، من حصر السلاح بيد الدولة، إلى تجديد ولاية قوات اليونيفيل، إلى تسريع الإصلاحات الضرورية. وأكد
التزام بلاده الكامل بدعم هذه المسارات، بالتعاون مع أصدقاء لبنان.
ودان السفير استمرار الاحتلال
الإسرائيلي لخمسة مواقع لبنانية، والضربات المتكررة، داعيًا إلى الالتزام الكامل باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الثاني الماضي، وأكد ماغرو دعم فرنسا التام لهدف السلطات
اللبنانية في تحقيق حصرية السلاح بيد
الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، مشدّدًا على أن الزمن قد تغيّر، وأنه "يجب أن تبدأ مرحلة جديدة في هذا البلد الذي عانى كثيرًا".
وتابع: "نحن ندعم بالكامل الجهود التي يبذلها السفير الأميركي توم برّاك، ونحن مصمّمون على العمل سويًّا من أجل سيادة لبنان واستقراره وإعادة إعماره. ويمكنه أن يعتمد على عزمنا على المساهمة في ذلك في نواحٍ عديدة".
وحول المسار المالي، أشار السفير إلى أن "أي دولة لا يمكن أن تعمل من دون مصارف، ولا من دون بنى تحتية فعالة، كالكهرباء والمياه والاتصالات"، مذكّرًا بأن استئناف النقاش مع صندوق النقد الدولي خطوة إيجابية، وأن إقرار قانون رفع السرية المصرفية في نيسان هو بداية مشجعة، لا بد من استكمالها.
وأعرب عن دعم فرنسا لمشروع البنك الدولي بشأن صندوق إعادة الإعمار بقيمة 250 مليون دولار، مشترطًا ذلك بإقرار قوانين إصلاح المصارف واستقلال
القضاء، معتبرًا أنه "لا دولة من دون عدالة"، وذكّر بأهمية التقدم في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت.
كما أكد استعداد بلاده لاستضافة مؤتمر للنهوض بلبنان في الخريف المقبل، لكن بشروط واضحة: "المجتمع الدولي لن يهبّ كما في السابق إذا لم تُقدَّم التزامات إصلاحية جدّية".
وشدد ماغرو على ضرورة مراقبة الوضع السوري عن كثب، والاستعداد للمشاركة في عملية إعادة الإعمار التي من شأنها أن تفتح فرصاً للبنان، وتحفّز عودة النازحين. وقال: "إما أن يكون لبنان شريكًا فاعلًا، أو يكتفي بمشاهدة التعافي من بعيد".
أكد السفير أن فرنسا تواصل دعمها للقوات المسلحة اللبنانية، والأجهزة الأمنية، وقوى الأمن الداخلي، والدفاع المدني، خصوصًا مع اقتراب موسم حرائق قد يكون قاسيًا هذا العام.
واختُتمت الكلمة بتحية لقوات اليونيفيل، لاسيما الجنود الفرنسيين والفنلنديين الذين شاركوا في
العرض العسكري على جادة الشانزيليزيه صباح اليوم، للمرة الأولى، تقديرًا لجهودهم في الجنوب.
كما ذكّر ماغرو أن هذا العام يصادف الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، واستعاد من خلالها دور لبنان كمهد "فرنسا الحرة في المشرق"، وتلبية أكثر من خمسة آلاف لبناني نداء الجنرال ديغول، في دلالة على عمق العلاقات بين البلدين.