كتب طوني
عيسى في" الجمهورية": إذا ما توصّلت
سوريا وإسرائيل إلى اتفاق تطبيع، وهو ما يبدو مرجّحاً، فإنّ ذلك سيُحدِث تحوّلات جيوسياسية كبيرة، خصوصاً بالنسبة إلى
لبنان. فمن المرجّح أن يتضمّن الاتفاق بنداً تلتزم فيه
دمشق مواجهة المنظمات التي تعتبرها
إسرائيل «إرهابية وتُهدّد أمنها ». وبناءً على هذا البند، قد يمنح
المجتمع الدولي ضوءاً أخضر لسوريا الجديدة لتتحرّك على امتداد الحدود
اللبنانية، بذريعة ضبط «حزب الله».
سيكون لبنان أول المتأثرين بالتطبيع، بسبب موقعه الجغرافي وسلاح «
حزب الله » والعلاقات المتشابكة مع سوريا. وستجد دمشق أنّ من مصلحتها التعاون في ملف إضعاف «حزب الله »، إذا رأت فيه فرصة لتعزيز شرعيّتها الدولية وتخفيف الضغوط عليها. وفي عبارة أخرى، ستحصل إسرائيل على «غطاء » سوري، وربما دولي، للضغط على «حزب الله » داخل لبنان.
وما يُثير القلق هو أنّ دمشق تتحكّم بعدد من الأوراق الحيَوية في لبنان. فهي لم تقل كلمتها الحاسمة في مسألة مزارع
شبعا، ولم ترَ حاجة حتى الآن إلى ترسيم الحدود البرية المتنازع عليها. وفي ظل أي اتفاق تطبيع، قد تحاول سوريا فرض رؤيتها لترسيم هذه الحدود، مستفيدة من موقعها ك «شريك » جديد لإسرائيل والمجتمع الدولي. وهو ما سيضع لبنان في موقف تفاوضي ضعيف. وكذلك هي حال الحدود البحرية وتقاسم موارد
الغاز. فقد تحاول سوريا استغلال وضعها الجديد للمطالبة بحقوق أكبر في مناطق متنازع عليها مع لبنان، ما يؤثر على حصة لبنان.
وفوق ذلك، تبقى الورقة
السورية الضاغطة هي وجود نحو مليونَي نازح سوري في لبنان. وهي تمثل عبئاً ديموغرافياً واقتصادياً واجتماعياً هائلاً. وبدلاً من تسهيل عودة النازحين في شكل طوعي وآمن، قد تستخدم دمشق هذا الملف ورقة ضغط على لبنان، أو شرطاً مسبقاً لأي «تعاون أمني » على الحدود. إذا اتُفِقَ على أن تتولى سوريا، بضوء أخضر إسرائيلي - دولي، مهمّة «ضبط « » حزب الله » على الحدود، فهذا يعني ضمناً عدم الثقة بقدرة
الدولة اللبنانية على بسط سيادتها. وهو ما يقوّض مفهوم الدولة القوية. وإذ يسعى لبنان إلى الحفاظ على صورته كدولة مستقلة ومحايدة، فإنّ أي اتفاق سيجعله طرفاً غير مباشر في نزاع إقليمي، أو يضعه تحت «وصاية أمنية » من أي طرف، ما سيزيد من عزلته.