Advertisement

لبنان

تصعيد البقاع الدامي... حين تتقدّم رسائل النار على خطوط التهدئة

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
16-07-2025 | 05:00
A-
A+
Doc-P-1392271-638882613953506637.jpg
Doc-P-1392271-638882613953506637.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
على الرغم من أنّه عُدّ التصعيد الأكبر منذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في تشرين الثاني الماضي، على الأقل من حيث "الكلفة البشرية الباهظة" مع وصول عدد الشهداء إلى 12، وهو العدد الأعلى حتى الآن، فإن مجزرة وادي فعرا في البقاع الشمالي لم تكن سوى حلقة جديدة في مسلسل التصعيد الإسرائيلي المتواصل على الجبهة اللبنانية، وإن اتخذت هذه المرة طابعًا مختلفًا من حيث التوقيت والمكان والرسائل الكامنة.
Advertisement
 
فبينما كانت عشرات الغارات الجوية تستهدف المنطقة، مخلفةً 12 شهيدًا بينهم 7 سوريين من عائلة واحدة كانوا داخل خيمتهم، و6 مواطنين لبنانيين، كانت أصداء جلسة مجلس النواب اللبناني تتردّد في بيروت، حيث تصدّر ملف سلاح "حزب الله" واجهة المساءلة الحكومية، في مشهدٍ كرّس الانقسام العمودي بين القوى السياسية اللبنانية حول واحد من أكثر الملفات حساسية، ولا سيما في هذه المرحلة الدقيقة.
 
وقد تزامن هذا التصعيد العسكري مع تطورات دموية أخرى في الإقليم، أبرزها ما شهدته محافظة السويداء السورية من أحداث عنيفة أعادت إلى الأذهان وقائع "حرب الساحل"، وأثارت مخاوف من انفجار جديد على مستوى رمزية الطائفة الدرزية، بما يُنذر بمزيد من التوترات الطائفية والمذهبية العابرة للحدود. فكيف يُفهَم تصعيد البقاع الدموي؟ وهل يمكن قراءته بمعزل عن التوتر المتنقل في المنطقة، أم ينبغي فهمه في سياقه الأوسع؟!
 
رسائل بالنار
 
جاء القصف الإسرائيلي الذي استهدف منطقة وادي فعرا وأدى إلى استشهاد 12 شخصًا، وسط تصاعد القلق من دخول المنطقة دوامة فوضى إقليمية شاملة. وفي حين سرّبت صحف عبرية أن العملية استهدفت ما وصفته بـ"وحدة لوجستية داعمة لقوة الرضوان" التابعة لـ"حزب الله"، أظهرت الصور والمشاهد من الموقع أن الضربة أصابت حفارة مياه، ما فتح باب التساؤلات حول الأهداف الإسرائيلية الحقيقية والمبطّنة.
 
وحتى إذا ما جرى التعامل مع هذا التصعيد كحدث منفصل عن أحداث المنطقة، فإن رسائله تبقى متعددة، ولو بقي بعضها مبهمًا أو مشفّرًا. فهناك من وضعه في خانة الضغط الأميركي والإسرائيلي المتصاعد، لا سيما بعد "تعثّر" المفاوضات حول ملف السلاح، أو دخولها في دوامة المراوحة والمماطلة. في المقابل، اعتبره آخرون رسالة متجددة من تل أبيب للتأكيد على أنّها لا تزال تُمسك بزمام المبادرة، ومستعدّة لتوسيع رقعة النار متى شاءت، وبالطريقة التي تراها مناسبة.
 
وفي هذا السياق، كان لافتًا البيان الصادر عن "حزب الله"، الذي دان المجزرة بشدة، واصفًا إيّاها بأنّها "تصعيد كبير" و"محاولة بالدم والنار للضغط على الإرادة الوطنية"، وداعيًا الدولة اللبنانية إلى كسر حالة "الصمت غير المجدي". وقد قرأ البعض هذا الموقف بوصفه "غمزًا" من قناة جلسة المساءلة البرلمانية، حيث شكّل ملف السلاح محورًا رئيسيًا للنقاش، بينما تجاهل معظم النواب العدوان الإسرائيلي المتزامن على البقاع.
 
مرحلة ما قبل الانفجار؟
 
قد لا يكون تصعيد البقاع الأخير، رغم حساسيته، الأول من نوعه، إذ تعتمد إسرائيل منذ أسابيع سياسة "التفاوض بالنار" مع لبنان: ضربات متقطعة، استهدافات مركّزة، تحمل في طيّاتها رسائل عسكرية لا تنفصل عن الحسابات السياسية. بل ثمّة من يرى أن الضغط العسكري المتصاعد في الجنوب والبقاع يُكمّل الضغط الدبلوماسي المتمثّل في تصريحات الموفد الأميركي توم براك، ضمن مساعٍ لفرض واقع أمني جديد قبل أي هدنة محتملة أو تسوية سياسية شاملة.
 
في هذا الإطار، لا يمكن فصل ما جرى في وادي فعرا عن مشهد إقليمي متوتر يزداد اشتعالًا، وهو ما بدأ يتبلور بوضوح في الأيام الأخيرة. فبين التصعيد الدموي في محافظة السويداء، وتكثيف الهجمات على البنية التحتية في لبنان، يبدو أن هناك "أداة نارية جديدة" تعتمدها تل أبيب لرسم معالم المرحلة المقبلة، في ظل تزايد الدعوات الغربية والأميركية لـ"نزع سلاح حزب الله" كشرطٍ مسبقٍ للاستقرار في لبنان.
 
ويذهب بعض المراقبين إلى الربط بين هذه الاستراتيجية وبين الخطاب الدولي المتصاعد، الذي يُحَثّ فيه لبنان على "تحديد خياراته"، مع تلميحات متكررة إلى "النموذج السوري" في ملف ضبط السلاح. وقد برز هذا الطرح بوضوح في خطاب الموفد الأميركي توم براك، ما يجعل من التصعيد الإسرائيلي الأخير حلقةً ضمن سلسلة ضغوط مركّبة: تفاوض بالنار، ترهيب مدني، ضغط دبلوماسي، ومحاولة لعزل حزب الله سياسيًا داخليًا وإقليميًا.
 
هكذا، يبدو التصعيد الإسرائيلي في البقاع كحلقة متقدّمة في مسار كسر التوازن، لا تتخذ بالضرورة شكل حرب شاملة، لكنها تستنزف لبنان سياسيًا وإنسانيًا، وتضعه أمام استحقاقات داخلية وخارجية حادّة. وهو ما يطرح تحديًا مضاعفًا أمام حكومة نواف سلام، التي أصبحت مطالبةً اليوم ليس فقط بإدارة التباينات الداخلية، بل أيضًا بصياغة موقف سيادي واضح يمنع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، ويعيد ضبط معادلة الردع التي تتآكل تدريجيًا بفعل "نار السياسة" الممتدة من الجنوب إلى البقاع، مرورًا بالميدان السوري.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa