تسير تطورات المنطقة حاليًا بوتيرة ابطأ، في انتظار مفاصل مفصلية ستحدد وجهة المرحلة المقبلة، وعلى رأسها مصير الحرب في غزة من جهة، واستقرار الأوضاع في
سوريا من جهة أخرى. هذا التباطؤ لا يعني أن المنطقة دخلت في حالة جمود، بل يعكس ترقبًا لما ستؤول إليه ساحات الاشتباك الكبرى قبل اتخاذ أي خطوات استراتيجية جديدة.
في
لبنان، تبقى
الجبهة مفتوحة على احتمالات تصعيد مستمر. ورغم استبعاد حصول معركة برية شاملة بسبب الكلفة العالية والتعقيدات الميدانية، إلا أن الاعتداءات الإســرائيلية قد تتكثف وتتوسع بشكل يفرض تطورًا نوعيًا في مسار المواجهة. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الجبهة ستكون المحور الأساسي في المرحلة المقبلة، إذ أن التركيز الفعلي يتجه شرقًا نحو
دمشق.
سوريا اليوم تقف مجددًا في قلب التوازنات الإقليمية والدولية، ليس فقط بسبب هشاشة الوضع الداخلي وتفلت مناطق متعددة من السيطرة المركزية، بل لأن معظم الأطراف الفاعلة ترى في الساحة
السورية ساحة اختبار مبكر لأي ترتيبات سياسية أو أمنية مقبلة في
الشرق الأوسط. من هنا، فإن أي مشروع إقليمي، سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو أمنيًا، سيبقى معلقًا حتى تتبلور صورة السلطة في سوريا ويتضح تموضع النظام.
في هذا السياق، تبرز مؤشرات أولية على صدام
تركي – إسـرائيلي قد يخرج إلى العلن قريبًا. التوتر بين الطرفين ليس جديدًا، لكنه مرشح لأن يتحول إلى كباش سياسي وإعلامي وربما أمني، على خلفية الملفين الفلسطيني والسوري.
تركيا، التي تستعيد تدريجيًا أدوارًا إقليمية أكثر جرأة، تسعى لتثبيت موقعها كلاعب أساسي في مستقبل سوريا، وهو ما قد يصطدم مباشرة بالمصالح الإســرائيلية هناك.
إلى جانب ذلك، قد نشهد أيضًا منافسة تركية – سعودية على النفوذ في دمشق. الطرفان، رغم تحسن علاقاتهما الثنائية مؤخرًا، لا يتفقان على شكل التسوية المقبلة في سوريا، ولا على طبيعة العلاقة مع النظام الحالي. هذا التنافس قد يبقى مضبوطًا في المرحلة الحالية، لكنه سيتحول تدريجيًا إلى محاولة استقطاب مفتوحة كلما اقتربت لحظة الحسم.
في كل الأحوال، يبدو أن مفاتيح المرحلة المقبلة لا تزال ضائعة في ضباب المعارك، خصوصًا في غزة وسوريا. ومن دون حسم واضح في هذين الملفين، سيبقى التباطؤ هو العنوان العريض، وستظل التحركات مجرد محاولات جس نبض وانتظار.