يغيب التيار الوطني الحر بشكل ملحوظ عن المشهد السياسي في لبنان، إذ يندر ظهوره في النقاشات الكبرى، ويكاد صوته لا يُسمع في الملفات الحساسة. هذا الغياب، وفق ما يؤكده بعض مسؤوليه، ليس تقاعسًا بل "انكفاء اختياري" هدفه التفرغ لإعادة ترتيب البيت الداخلي والاستعداد المبكر للانتخابات النيابية المقبلة.
لكن، وبعيدًا عن التبريرات، يبدو أن "
التيار" في حاجة ماسّة اليوم إلى مراجعة جديّة لخياراته السياسية وتحالفاته. فالمرحلة المقبلة تفرض عليه حسم تموضعه بوضوح، لا سيما أن التوازنات في الداخل تتبدل بسرعة، وأن الرهان على الوقت أو على تفكك خصومه لم يعد ممكنًا.
عمليًا، لا يملك "التيار" أكثر من خيارين واضحين: الخيار الأول هو التحالف مع القوى
المعارضة لحزب الله. هذا التوجّه قد يمنح "التيار" فرصة لإعادة التموضع سياسيًا ضمن خطاب "السيادة" الذي يتوسع جمهوره في الداخل والخارج. لكن هذا الخيار دونه عوائق كبيرة، أبرزها أن التحالف سيكون سياسيًا فقط لا انتخابيًا، لأن معظم هذه القوى فيه تُنافس "التيار" بشكل مباشر في معظم الدوائر، ما يعني أن أي تفاهم معهم سيبقى شكليًا وغير منتج انتخابيًا.
الخيار الثاني هو العودة إلى التحالف مع
حزب الله. وهو خيار أكثر واقعية من الناحية
الانتخابية، إذ أن "التيار" يستفيد فعليًا من أصوات الحزب في أكثر من دائرة. لكن هذا التحالف لم يعد ممكنًا بصيغته السابقة. حزب الله، الذي يواجه اليوم ضغوطًا كبيرة داخلية وخارجية، لم يعد مستعدًا لتحالفات خجولة أو رمادية، بل هو يطلب موقفًا واضحًا وحازمًا، خصوصًا من حلفائه التقليديين. وبالتالي، أي عودة لهذا التحالف يجب أن تتم بشروط سياسية جديدة، قد يكون "التيار" غير مستعد لها أو غير قادر على تحمل كلفتها في البيئة
المسيحية.
أما الخيار الثالث، وهو الأصعب، فيتمثل في خوض المعركة الانتخابية وحيدًا، من دون أي تحالف يُذكر. عندها فقط سيظهر حجم التراجع الذي أصاب "التيار" في السنوات الأخيرة، ومدى تقلّص قاعدته الشعبية. تجربة الانتخابات الأخيرة أظهرت بعض المؤشرات، لكن الانتخابات المقبلة قد تكون الحاسمة في تحديد ما إذا كان "التيار" ما زال يحتفظ بوزنه الحقيقي أو أنه أصبح مجرد ظل لما كان عليه في السابق.
ويقول احد كوادر "التيار"السابقين من الذين انفصلوا عنه على خلاف"ان على "التيار" أن يحسم خياره، لأن الغياب عن السياسة في لبنان ليس حيادًا... بل انتحار بطيء".