Advertisement

لبنان

"نحن" ضد "هم".. هكذا يحوّل خطاب الكراهية الكلمات إلى جبهات

إليانا ساسين - Eliana Sassine

|
Lebanon 24
06-08-2025 | 04:30
A-
A+

Doc-P-1401221-638900691704994154.jpg
Doc-P-1401221-638900691704994154.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لم يعد السلاح اليوم مجرد بندقية أو أداة حادة؛ بل أصبح الخطاب أحد أخطر الأسلحة. في لبنان، لا يُعد الكلام مجرّد تعبير، بل يتحوّل إلى أداة انقسام، حيث تنتشر "خطابات الكراهية" على نطاق واسع. يهيمن منطق "نحن" ضد "هم"، وتُردَّد عبارات مثل "ما بيشبهونا"، ما يُكرّس مزيداً من الشرخ داخل المجتمع. فما سبب هذه الخطابات وانتشارها، وما الذي قد تقود إليه في النهاية؟
Advertisement

تشرح الأخصائية النفسية منال بو كروم لـ"لبنان 24" أن لخطاب الكراهية جذوراً عصبية في الدماغ. فالبشر يمتلكون مراكز عصبية تعزز الشعور بالانتماء وتكوين الهوية الاجتماعية، حيث ينشط نظام المكافأة عند الإحساس بالتقدير والقبول، ما يؤدي إلى إفراز هرموني الدوبامين والأوكسيتوسين، ويولّد شعوراً بالثقة والأمان.

في المقابل، أوضحت أن اللوزة الدماغية (Amygdala)، المسؤولة عن معالجة الخوف والتمييز بين "نحن" و"هم"، تنشط عند مواجهة شخص مختلف، مما يعزز التحيز للجماعة ويؤسس لمفاهيم الانقسام. وهنا يبدأ خطاب الكراهية بالتشكل على أسس عصبية.

أضافت بو كروم أن القشرة الجبهية الأمامية (PFC)، المسؤولة عن اتخاذ القرارات الأخلاقية، قادرة على التدخل لضبط هذا التحيز، وتحقيق توازن بين الولاء للجماعة والانفتاح على الآخر. لكن في حالات الانغلاق أو التعصب الشديد، غالباً ما تتعطل هذه الوظيفة، مما يحدّ من القدرة على التقبل.

الانتماء كآلية للبقاء

أكملت أن التطور الإنساني رسّخ فكرة أن الانتماء ضروري للبقاء، إذ توفّر الجماعة الحماية. ومن هنا نشأت معادلة في الدماغ تربط الانتماء بالأمان، وتحفّز الولاء وتنبذ العزلة. وعليه، يُنظر إلى "الآخر" كتهديد، ويُستخدم التحيز كآلية دفاعية، تُترجم بخطاب كراهية.

الهوية الاجتماعية وتأثير البيئة

رغم الطابع البيولوجي للانتماء، أكدت بو كروم أن الهوية الاجتماعية، كالدينية أو السياسية، تُبنى من التجارب الفردية والبيئة المحيطة، من الأسرة إلى الإعلام والتعليم والوضع الاقتصادي. هذه الهوية تتفاعل بقوة في مواقف التوتر، حيث يدافع الفرد عنها كما لو كان يدافع عن نفسه. وكلما زاد ارتباطه بالجماعة، زادت حدة الدفاع، وتحول النقاش إلى صراع "نحن" ضد "هم". 
أشارت إلى أن الصراعات اليوم لا تُحسم بالمنطق، لأن المواقف الأخلاقية التي يتبناها الأفراد ترتبط بهويتهم العاطفية، لا العقلانية. لذا، فإن الحوار غالباً لا يُقنع، بل يعزز التعصب، لأن كل طرف يرى رأيه امتداداً لهويته، لا فكرة قابلة للنقاش.

خطاب الكراهية كسلوك نفسي دفاعي

استناداً إلى علم النفس الأخلاقي، وصفت بو كروم خطاب الكراهية بأنه ليس مجرد موقف سياسي أو اجتماعي، بل سلوك نفسي دفاعي ناتج عن شعور بالخطر. ويهدف هذا السلوك إلى حماية الهوية الاجتماعية، لا مهاجمة الآخر فقط.

رغم الاتفاق العام على القيم الأخلاقية مثل العدالة والحرية والرعاية، إلا أن الأفراد يختلفون في ترتيب أولويات هذه القيم. فبينما يعطي أحدهم الأولوية للحرية، يفضل آخر الانضباط أو الرعاية، مما ينعكس على مواقفه السياسية وتحالفاته.

آليات تغذية الانقسام

بيّنت بو كروم أن هناك ثلاث آليات نفسية-اجتماعية تعزز الانقسام وخطابات الكراهية:

أوّلاً، شيطنة الآخر: حين يُقدَّم المختلف كخطر وجودي، ما يبرر التهجم عليه.

ثانيًا، احتكار الصواب الأخلاقي: حيث تؤمن كل جماعة بأنها تملك الحقيقة الأخلاقية المطلقة.

ثالثًا، التعصب وغياب المرونة: المتمثل في رفض الآخر وعدم تقبّل وجهة نظره.

بهذه الآليات، يتحول خطاب الكراهية إلى سلوك لا واعٍ، لكنه فعّال ومبرّر في نظر الفرد وجماعته.

من الدفاع إلى الهجوم

وحذّرت بو كروم من أن شيطنة طرف لآخر تؤدي إلى رد فعل طبيعي من الطرف المقابل، الذي يرى نفسه بدوره مهدداً. وهكذا، ينتقل خطاب الكراهية من سلوك دفاعي إلى سلوك هجومي، قد يتطور إلى عنف أو سلوكيات تدميرية يصعب التنبؤ بنتائجها، حيث تفرض الغريزة نفسها تحت شعار: "أدافع عن نفسي أو أهاجم لأبقى". 

سبل الخروج من الأزمة

وتابعت بو كروم بتأكيد أهمية إعادة النظر في القناعات والانفصال عن الانغلاق داخل الجماعة. واعتبرت أن البداية تكمن في "أنسنة الآخر" وفهم نواياه الأخلاقية، لا شيطنته، وهو ما يتطلب وعياً عميقاً وتقبلاً للاختلاف.

كما شددت على أهمية تربية الأطفال على هذه القيم منذ الصغر، لتجنّب إعادة إنتاج التاريخ نفسه. ودعت إلى خلق تواصل حقيقي بين الجماعات، لا بهدف تغيير الآخر أو محاكمته، بل لفهمه.  ورأت أن إيجاد قواسم مشتركة تتجاوز حدود الانتماء الضيق، كالمواطنة والمصلحة العامة، هو مفتاح الخروج من عزلة الجماعة والانفتاح على المجتمع الأوسع.


في النهاية، لا يتبنّى جميع اللبنانيين خطابات الكراهية، لكن الخطر الأكبر يكمن في مَن ينقلها ويضخّمها، وعلى رأسهم بعض وسائل الإعلام، ما يجعلها أكثر تأثيرًا وانتشارًا في المجتمع. فهل تُصبح هذه الخطابات فتيلًا لأزمة جديدة في لبنان؟
المصدر: "رصد" لبنان 24
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

إليانا ساسين - Eliana Sassine