"ليش كل الناس عالطريق؟" سؤال بات ملازماً ليوميات اللبناني العالق في زحمة السير الخانقة، في أي وقت من النهار. ساعة، اثنان وحتى أكثر، لتصل من بيروت إلى كسروان والعكس صحيح، فتبدأ رحلة المعاناة على الطرقات، حيث تتحول المسافات القصيرة إلى ساعات طويلة من الانتظار والتوتر.
الأزمة هذه ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي نتيجة تراكمية لعوامل تفاقمت مع مرور الوقت، إلا أن مفاعيلها تتكشف أكثر صيفاً مع ارتفاع وتيرة الموسم السياحي.
ليس خفياً على أحد أن شبكة الطرقات في
لبنان قديمة وغير كافية لاستيعاب العدد الهائل من المركبات. فمعظم الشوارع ضيقة، وتفتقر إلى الصيانة الدورية، كما أن غياب الطرقات الدائرية والجسور اللازمة لتخفيف الضغط يزيد من حدة المشكلة، هذا فضلاً عن كون الأوتوسترادات باتت مليئة بالمحلات الفرعية كـ"ناولني" التي تزيد من وطأة الازدحام.
تتعدد أسباب هذا الوضع المأسوي، وصولاً إلى غياب النقل العام الفعال. إذ يعتمد اللبنانيون بشكل شبه كامل على سياراتهم الخاصة للتنقل، وذلك بسبب غياب نظام نقل عام حديث ومنظم، على الرغم من الخطة الجديدة التي وضعتها وزارة الأشغال المتمثلة بباصات النقل المشترك. من هنا، لا زلنا نرى سيارات تضمّ شخصاُ أو اثنين كحد أقصى.
ومن العوامل التي أدت إلى تزايد الضغط على الشوارع الرئيسية، ما شهده لبنان في السنوات الأخيرة من نمو سكاني وعمراني عشوائي، تركز معظمه في المدن الكبرى وضواحيها، وهو نمو لم يترافق مع تطوير موازٍ للبنية التحتية للطرق.
وعلى الرغم من وجود قوانين للسير، إلا أن تطبيقها غالبًا ما يكون ضعيفًا. فالتجاوزات، وعدم الالتزام بالإشارات الضوئية، وركن السيارات بشكل خاطئ، كلها عوامل تزيد من الفوضى، وتعطل حركة المرور.
من هنا، تتجاوز آثار زحمة السير السلبية مجرد التأخير على الطرقات، لتشمل جوانب عدة من حياة المواطنين قد يكون أبرزها الجانب الإقتصادي.
إذ تتسبب زحمة السير في خسائر اقتصادية كبيرة، سواء على مستوى الأفراد من خلال استهلاك الوقود، وتلف المركبات وتصليحها، أو على مستوى الدولة من خلال إعاقة حركة التجارة، وتأخير البضائع، كما أنها تؤثر سلبًا على إنتاجية الموظفين والشركات.
أما بيئيا، فتساهم الانبعاثات الناتجة عن آلاف السيارات المتوقفة في زحمة السير في تلوث الهواء، مما يزيد من مشاكل الصحة العامة، ويتسبب في تدهور البيئة.
كما أن الأثر النفسي والاجتماعي موجود بقوة بسبب هذه المشكلة، إذ تؤدي زحمة السير إلى زيادة مستويات التوتر، والإحباط، والغضب لدى السائقين، وقد يؤدي هذا التوتر إلى مشاجرات على الطرقات.
ومن الحلول المطروحة، يأمل مطلعون على سبيل المثال تنفيذ مشروع إنشاء جسر بحري
على الطريق الساحلي من
المنارة إلى طبرجا، بتكلفة تقل عن مليار دولار، هدفه تخفيف الضغط على الساحل وبالتالي يريح السير والسائقين.
وللتخفيف من عدد السيارات على الطرقات، يجب على الدولة الاستثمار في بناء نظام نقل عام حديث وفعال ومستدام، فضلاً عن العمل على صيانة، وتوسيع الطرقات الرئيسية، وبناء الجسور، والأنفاق اللازمة لتسهيل حركة المرور.
أزمة زحمة السير قديمة- جديدة، وتماماً كسواها من المشاكل التي تؤرق اللبنانيين، حلّها متوفر بالشراكة بين الدولة والشعب لضمان سلاسة أكبر على الطرقات. فاللبناني ليس بحاجة إلى ضغوطات جديدة، "اللي فيه بيكفيه"!