في الأيام الأخيرة، تصدّرت
وسائل الإعلام المصرية أخبار توقيف عدد كبير من صنّاع المحتوى على منصة "تيك توك".
التوقيفات لم تكن عشوائية، بل جاءت تحت مبررات قانونية متكررة، أبرزها: الإخلال بالآداب العامة، خدش الحياء، جمع أموال بطرق غير شرعية، والتحريض على الفسق. هذه الخطوة التي اتخذتها السلطات المصرية، فتحت باب التساؤلات عما إذا كانت دول أخرى في المنطقة، مثل
لبنان، ستسير في الاتجاه ذاته، خاصة في ظل تزايد أعداد "التيك توكرز" الذين يحققون أرباحاً طائلة بمحتوى مثير للجدل.
فهل تتحرك
السلطات اللبنانية قريباً؟ وبين حرية التعبير من جهة، وحماية المجتمع والنظام العام من جهة أخرى، أين يقف الخط الفاصل؟
للتعمق أكثر في الواقع اللبناني، قال "بيبو" (اسم مستعار)، صانع محتوى لبناني: "بدأتُ قبل نحو عام، وكان كل شيء مجرد هواية، لكن اليوم أصبح تطبيق تيك توك مصدر دخل فعلي بالنسبة لي، سواء من خلال الهدايا المباشرة أثناء البث، أو من بعض الشركات التي تطلب مني تنفيذ إعلانات."
ورغم أنه يعترف بأن دخله الشهري قد يتخطى أحياناً 2000 دولار، إلا أنه يؤكد "أنه لا يتلقى أي مساءلة قانونية حول مصدر هذه الأموال أو طريقة التصريح عنها".
"بيبو" لا يخفي قلقه مما حصل في مصر، لكنه يعتقد أن الوضع في لبنان مختلف، وأفاد بأن " لا يزال المحتوى لدينا أقل حدة، وهناك من يبالغ بطبيعة الحال، لكننا لم نصل بعد إلى مستوى يستدعي تحرّك الدولة. ومع ذلك، لا أحد في مأمن على وسائل التواصل الاجتماعي."
من الناحية القانونية، تقول المحامية سارة بهيج "إن لبنان لا يملك حتى اللحظة قانوناً خاصاً ينظّم عمل صناع المحتوى على الإنترنت، لكن ذلك لا يعني أنهم خارج المحاسبة".
وأشارت بهيج إلى "أن في حال تجاوز أي صانع محتوى الخطوط الحمراء، مثل خدش الحياء، أو الترويج لأفكار تهدد السلم الأهلي، يمكن ملاحقته بموجب قانون
العقوبات أو قانون الجرائم الإلكترونية".
وأضافت "أن الأرباح المالية التي لا يُصرّح عنها، قد تفتح باب الملاحقة من ناحية التهرب الضريبي أو تبييض الأموال، خاصة إن كانت المبالغ كبيرة".
وقالت: "إذا قررت الدولة فتح هذا الملف، فالكثير من مستخدمي "تيك توك" سيجدون أنفسهم في مرمى النيران."
هل يتكرر السيناريو المصري في لبنان؟
الوضع في مصر يرتبط جزئياً بتوجه رسمي نحو “ضبط” الفضاء الرقمي، وسط مخاوف من تأثير المحتوى على المجتمع، وخاصة فئة الشباب. في المقابل، لا يظهر أن لبنان يتّجه بنفس القوة نحو المراقبة الصارمة، ربما بسبب أولوية الملفات الاقتصادية والسياسية الحالية.
لكن، بحسب مصادر قانونية، فإن تكرار المشهد المصري في لبنان ليس مستبعداً، خاصة إذا استمرت ظاهرة “الإثارة الرخيصة في مقابل الربح السريع” بالانتشار، وبدأت تخرج عن نطاق السيطرة.
في زمن أصبحت فيه السوشيال ميديا مصدر دخل أساسي لعدد متزايد من الشباب، لا بد من إيجاد توازن بين حرية التعبير وضرورة احترام القوانين والآداب العامة. توقيف "التيك توكرز" في مصر شكّل رسالة واضحة: "المحتوى المخل لن يمرّ بلا محاسبة". لكن في لبنان، الرسالة لا تزال ضبابية… فهل تتحول إلى تحذير رسمي قريبًا؟.