لا يُمكن بتاتاً إغفال ارتدادات زيارة أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، لما تحملهُ من مؤشرات عديدة يمكن أن تُبدل حال الأمور في لبنان.
إن تمّ التدقيقُ في فحوى الكلام، أطلق لاريجاني عبارات عديدة منها: "نصيحتي، حافظوا على
المقاومة في لبنان"، و"الذي يتدخل بشؤونكم هو الذي يفرضُ عليكم جدولاً زمنياً"، بينما قال أيضاً إن "
إيران لا تتدخل بشؤون لبنان"، وأضاف: "أي قرار تتخذه الحكومة بالتعاون والتنسيق مع الفصائل
اللبنانية نحترمه تماماً".
العباراتُ هذه كفيلة بالتوقف عندها، وما يبدو هو أنَّ لاريجاني ذهب أكثر نحوَ "تبرئة ذمة إيران من التدخل بشؤون لبنان"، لكنهُ في الوقت نفسه جنحَ نحو مواجهة أميركا انطلاقاً من الداخل اللبناني من خلال انتقاد الورقة التي قدّمها الموفد الأميركي إلى لبنان توماس برّاك، وأقرّتها الحكومة اللبنانية.
ما يظهرُ بشكلٍ واضح هو أنَّ إيران وضعت أزمة لبنان وملفه على سكة "التدويل" بشكل مباشر، فـ"الكباش" الإيراني - الأميركي بات يتجلى في لبنان وعلى مستوى عالٍ جداً انطلاقاً من جدليّة ملف سلاح "
حزب الله" من جهة وعلى صعيد الورقة الأميركية التي رفضتها طهران بشكلٍ واضحٍ من جهة أخرى. وبذلك، أصبح الصراع الأميركي – الإيراني راسخاً الآن بشكلٍ مباشر داخل لبنان، فيما العامل الأبرز يتصلُ بما قد يُقدم عليه "حزب الله" استناداً لهذا الأمر.. فهل ستُحافظ
إيران على التعاطي الدبلوماسيّ في خصومتها لأميركا على الساحة اللبنانية أم ستعطي لـ"حزب الله" الضوء الأخضر للانقضاض على ما أقرّته الحكومة واستخدام ورقة الشارع؟
تقولُ مصادر سياسية لـ"لبنان24" إنه من مصلحة إيران الحفاظ على "خط الرجعة" في لبنان، فالعلاقة بينها وبين
واشنطن "غير مقطوعة" رغم أنها بلغت مستويات شديدة من التوتر إبان الهجوم
الإسرائيلي على إيران في شهر حزيران الماضي.
وعملياً، ربطت إيران موضوع "الجدول
الزمني" الذي مُنح للحكومة بشأن نزع سلاح "حزب الله" بموضوع "الهيمنة والتدخل". هذه النقطة أزعجت إيران كثيراً، إذ بات "حزب الله" المرتبط بها مُطوقاً بـ"مدة"، ولهذا السبب تسعى إلى وضع شرطٍ محوره نزع ذاك الأمر، وإعطاء "حزب الله" هامشاً للتنفس والذهاب نحو مفاوضات فعالة مع الدولة اللبنانية أساسها "حفظ حق لبنان بالمقاومة"، وثانياً عدم الارتباط بأي جدول زمني لتسليم السلاح على قاعدة أن هذا الملف "لا يُحلّ بين ليلة وضحاها".
وفق المصادر، فإن إيران قد تذهب نحو لعبة "الأخذ والرد" على صعيد تحصيل مكسب "إستبعاد الجدول الزمني"، وهذا الأمر يحتاجُ إلى "دبلوماسية" بحتة. وإن حصل هذا الأمر، فإنَّ الرهان على حدوث اضطرابات داخلية سيكونُ مستبعداً بدرجة كبيرة، فـ"حزب الله" قد يُقبل على تسليم السلاح من بوابة استراتيجية أمن وطني جديدة وفعالة وعلى قاعدة عدم وجود وقتٍ مُحدد لذلك لأن النقاشات ستكون طويلة كما أن تذليل العقبات وتحقيق المكاسب يحتاج إلى وقتٍ وأشواطٍ طويلة تتعدّى تماماً المهلة التي مُنحت إلى الحكومة اللبنانية لـ"حصر سلاح الحزب".
لهذا، إن نجحت إيران في حسمِ هذا الأمر بـ"التفاوض" مع
الأميركيين، عندها يمكن لـ"حزب الله" أن يذهب للتفاوض مع الدولة اللبنانية، وقد أقرّ لاريجاني بهذا الأمر من خلال القول إن "إيران تحترم أي قرار تتخذه الحكومة بالتعاون والتنسيق مع الفصائل اللبنانية".
وعليه، فإن مغامرة إيران بدعم أي نشاط عسكري لـ"حزب الله" لبنان ستسنسفُ تماماً نظرية الحماية التي يتحدث عنها "الحزب"، علماً أن المواجهة – إن كانت ستحصل – ستكون في بادئ الأمر مع "الحزب" والجيش، وما هو مؤكد تماماً أن المؤسسة العسكرية لن تدخل في صدامٍ مع أي طرف، وهي تلتزمُ إعداد خطة لسحب السلاح، يجري تحضيرها خطوة بتأنّ ودراسة فاعلة ومن دون أي اصطدام