من الواضح أن زيارة علي لاريجاني إلى
لبنان شكّلت نقطة تحول مهمة في طريقة تعاطي
إيران مع ملفات المنطقة، إذ بدا وكأنها لحظة انطلاق لمرحلة جديدة من التنسيق الإقليمي، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة، ومنحت
حزب الله للمرة الأولى منذ اشهر غطاءً إقليميًا واضحًا.
هذا التطور سيمنح الحزب هامشًا أوسع من الحركة والارتياح في المرحلة المقبلة، سواء على الساحة
اللبنانية أو في سياق ارتباطه بمحاور أخرى في المنطقة.
إيران، التي خرجت من المواجهة الأخيرة مع
إسرائيل وهي أكثر إدراكًا لطبيعة التحديات، يبدو أنها حسمت قرارها بتوحيد الجبهات مجددًا. فبعد الضربة
الإسرائيلية التي استهدفتها مباشرة، وما تبعها من حرب، لم يعد هناك أي حواجز سياسية أو ميدانية بين طهران والدخول في اي حرب في المنطقة. ما كانت إيران تخشى فقدانه، فقدته بالفعل، وهذا ما يفتح الباب أمامها لرفع مستوى الانخراط في أي مواجهة محتملة من دون حسابات الخسارة السابقة.
اللافت أيضًا في هذه المرحلة كان الموقف الصريح لعبد الملك الحوثي، الذي وجّه انتقادًا حادًا للحكومة اللبنانية، معتبرًا أن استفراد أي طرف بحزب الله أمر مرفوض. هذا التصريح لم يأتِ من فراغ، بل حمل في طياته رسالة واضحة للمملكة العربية
السعودية، التي تكثّف ضغوطها على الساحة اللبنانية منذ فترة.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى كلام الحوثي كإشارة إلى استعداد اليمن لتوسيع دائرة الضغط على الرياض، ليس فقط في الإطار اليمني، بل ربما من خلال دعم مواقف إقليمية متناغمة مع حزب الله.
في الوقت نفسه، يسير كل ذلك على إيقاع لعبة تمرير الوقت التي يعتمدها "الحزب" حاليًا. فالتطورات في
سوريا قد تحمل له مكاسب إضافية إذا تبدلت المعطيات الميدانية والسياسية هناك.
"الحزب" يدرك أن أي تحولات إيجابية على
الجبهة السورية ستنعكس مباشرة على موقعه الإقليمي، خصوصًا إذا ارتبطت بتخفيف الضغوط أو بتعزيز قدراته اللوجستية والعسكرية.
زيارة لاريجاني لم تكن مجرد جولة بروتوكولية، بل جاءت في توقيت حساس يتقاطع فيه الضغط
الإسرائيلي مع محاولات عربية ودولية لتقييد "الحزب"، وفي ظل مشهد إقليمي مفتوح على احتمالات واسعة. الرسالة التي أراد الرجل إيصالها واضحة: إيران لن تتراجع عن حضورها في لبنان، وهي مستعدة لتثبيت هذا الحضور كجزء من استراتيجيتها الأشمل في المنطقة.
ومع تسارع الأحداث، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد اختبارًا لمدى قدرة هذا الغطاء الإقليمي الجديد على حماية "الحزب" وتمكينه من مواجهة التحديات، سواء جاءت من خصومه في الداخل أو من القوى الإقليمية التي تسعى إلى إعادة رسم المشهد
اللبناني على مقاسها. لكن المؤكد أن المشهد الحالي بات مختلفًا، وأن لحظة لاريجاني في
بيروت قد تكون بداية صفحة جديدة في الصراع الإقليمي.